[٢ / ١١٩٤] وقال أبو مسلم محمّد بن بحر : هي في الأرض ، لأنّه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهاهما عنها دون غيرها من الثمار. (١) أي فذلك دليل على أنّها جنّة الدنيا حيث التكليف ولا تكليف في جنّة الخلد.
[٢ / ١١٩٥] وعنه أيضا قال : هي جنّة من جنان الدنيا في الأرض. وقال إنّ قوله : (اهْبِطُوا مِنْها) لا يقتضي كونها في السماء ، لأنّه مثل قوله : (اهْبِطُوا مِصْراً)(٢).
[٢ / ١١٩٦] وقال عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي رفعه قال : «سئل الصادق عليهالسلام عن جنّة آدم أمن جنان الدنيا كانت أم من جنان الآخرة؟ فقال : كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ، ولو كانت من جنان الآخرة ما أخرج منها أبدا ، قال : فلمّا أسكنه الله الجنّة وأتى جهالة إلى الشجرة ، أخرجه ، لأنّ الله خلق خلقة لا تبقى إلّا بالأمر والنهي والغذاء واللباس والإسكان والنكاح ، ولا يدرك ما ينفعه مما يضرّه إلّا بالتوقيف ، فجاءه إبليس ، فقال له : إنّكما إذا أكلتما من هذه الشجرة الّتي نهاكما الله عنها صرتما ملكين وبقيتما في الجنّة أبدا ، وإن لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنّة وحلف لهما أنّه لهما ناصح كما قال الله ـ عزوجل ـ حكاية عنه : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ. وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) فقبل آدم قوله ، فأكلا من الشجرة ، فكان كما حكى الله : (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) وسقط عنهما ما ألبسهما الله من لباس الجنّة وأقبلا يستتران بورق الجنّة (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) ، فقالا كما حكى الله عنهما : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) فقال الله لهما : (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) ، قال : إلى يوم القيامة. قال : فهبط آدم على الصفا ، وإنّما سمّيت الصفا لأنّ صفوة الله نزل عليها ، ونزلت حواء على المروة ، وإنّما سمّيت المروة لأنّ المرأة نزلت عليها ، فبقي آدم أربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنّة ، فنزل عليه جبرائيل عليهالسلام ، فقال : يا آدم ألم يخلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته؟ قال : بلى ، قال : وأمرك الله أن لا تأكل من الشجرة فلم عصيته؟ قال : يا جبرائيل إنّ إبليس حلف لي بالله إنّه لي ناصح ، وما ظننت أنّ خلقا يخلقه الله يحلف به كاذبا» (٣).
__________________
(١) التبيان ١ : ١٥٩.
(٢) مجمع البيان ١ : ١٦٨ ؛ أبو الفتوح ١ : ٢١٨.
(٣) البرهان ١ : ١٨١ ـ ١٨٢ / ٤ ؛ القمي ١ : ٤٣ ـ ٤٤ ؛ البحار ١١ : ١٦١ ـ ١٦٢ / ٥ ؛ نور الثقلين ٢ : ١٣ / ٣٦ ، سورة الأعراف.