قال تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦) خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧))
هؤلاء هم الفريق الثاني ـ ممّن وصفهم القرآن ـ كانوا وقفوا تجاه دعوة الإسلام وقفة جحود وإنكار ، ورفضوا الاستسلام للحقّ الصراح ، لا برهان لهم (١) سوى اللجاج والعناد ، (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا)(٢).
ومن ثمّ لم ينفعهم الإنذار والتخويف بعد وقفتهم تلك المعاندة الغشومة ، وقد عبّر القرآن عن حالتهم تلك التعنّتيّة بالختم والطبع على القلوب والأسماع. والغشاوة على الأبصار. بما أصرّوا على اللّجاج واستكبروا استكبارا (٣).
(وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ. يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٤).
نعم بشّره في هذه الدنيا بعذاب أليم ، يكابد الأمرين ، مغبّة حياده عن مسيرة الفطرة وإعراضه عن إيحاءات العقل الرشيد ، إلى جنب رفضه القاسي لتعاليم وحي السماء. وكلّ ذلك يخالف فطرته وعقله وشعوره الإنساني النبيل ، فكيف وهو يعالج الألم في ضميره من هياج عارم آخذ بأطراف وجوده في الحياة!
إنّ النوافذ المفتوحة في أرواح المتّقين ، والوشائج الّتي تربطهم بالوجود وبخالق الوجود ، والظاهر والباطن والغيب والشهود ، إنّ هذه النوافذ المفتّحة كلّها هناك ، مغلّقه كلّها هنا. وإنّ الوشائج الموصولة كلّها هناك ، مقطوعة كلّها هنا.
__________________
(١) المؤمنون ٢٣ : ١٧.
(٢) النمل ٢٧ : ١٤.
(٣) فيما ذكره تعالى عن قوم نوح : (جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً) (نوح ٧١ : ٧).
(٤) الجاثية ٤٥ : ٦ ـ ٧.