(خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ) فلا تصل إليها حقيقة من الهدى ولا صدى.
(وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) فلا نور يوصوص لها ولا ضياء ، فقد طبع الله على قلوبهم وعلى سمعهم وغشي على أبصارهم ، جزاء وفاقا على استهتارهم بالإنذار ، حتّى تساوى لديهم الإنذار وعدم الإنذار ، بل ومعاكسة طبيعيّة لسوء تدبّرهم وسوء تصرّفهم في هذه الحياة. (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)(١).
إنّها صورة صلدة ، مظلمة ، جامدة ، ترتسم من خلال الحركة الثابتة الجازمة ، حركة الختم على القلوب والأسماع ، والتغشية على العيون والأبصار.
(وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ، وهي النهاية الطبيعيّة للكفر العنيد ، الّذي لا يستجيب للنذير ، والّذي يستوي عنده الإنذار وعدم الإنذار ، كما علم الله من طبعهم المطموس المغمور.
***
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي : نزلت في أبي جهل وفي خمسة من قومه من قادة الأحزاب ، قتلوا يوم بدر (٢) ، في قول الربيع بن أنس. واختاره البلخيّ والمغربيّ. وقال ابن عبّاس : نزلت في قوم بأعيانهم من أحبار اليهود ، ذكرهم بأشخاصهم (٣) من اليهود حول المدينة. وقال قوم نزلت في مشركي العرب. واختار الطبري قول ابن عبّاس (٤).
قال الشيخ : والّذي نقوله : إنّه لا بدّ أن تكون الآية مخصوصة ، لأنّ حملها على العموم غير ممكن ، لأنّا علمنا أنّ في الكفّار من يؤمن ، فلا يمكن العموم. وأمّا القطع على واحد ممّا قالوه فلا دليل عليه ، ويجب تجويز كلّ واحد من هذه الأقوال (٥).
وقال سيّدنا الأستاذ العلّامة الطباطبائي : هؤلاء قوم ثبتوا على الكفر وقد تمكّن الجحود من قلوبهم. ومن ثمّ جاء وصفهم بمساواة الإنذار وعدمه فيهم. ولا يبعد أن يكون المراد من هؤلاء الّذين
__________________
(١) الصفّ ٦١ : ٥.
(٢) سوى نفرين استسلما فيما بعد : أبو سفيان والحكم بن أبي العاص (الدرّ ١ : ٢٩).
(٣) راجع : الطبري (١ : ١٥٩ / ٢٤٥ و ٢٤٦).
(٤) وهو ما رواه عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عبّاس : أنّها نزلت في اليهود الّذين كانوا في نواحي المدينة.
(٥) التبيان ١ : ٦٠.