أعرض ونأى بجانبه. ويهدي من أقبل واستهدى. والله عزيز أي غالب على أمره ، حكيم في فعاله.
المرتبة الخامسة : وهي الغاية القصوى بل المثل الأعلى للكمال الإنساني الرفيع ، هي بلوغ مرتبة العصمة ، تعصم صاحبها عن الخطل والزلل وعن الخطأ والانحراف.
والعصمة : بصيرة ذاتيّة حاصلة من قوّة الإيمان وشدّة الثقة بالله العظيم. وعبّر عنها القرآن بالحكمة (قدرة إيمانيّة واعية) يمنحها الله من يشاء من عباده المصطفين الأخيار. (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ)(١). وليست الحكمة سوى بصيرة في الدين وعلم في يقين ، بحيث يرى الحسن حسنا في ذاته ، والقبيح قبيحا في ذاته. رؤية علم ويقين لا غبار عليه.
قال تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً)(٢). والماء الغدق هو العلم الغزير ، أي الحكمة الواسعة ، والّتي هي أساس العصمة الربّانيّة يمنحها لعباده المخلصين .. بما أخلصوا لله الطاعة واجتهدوا في العبادة والاستسلام لله ربّ العالمين.
***
وبعد فقد كانت درجات الهداية الرحمانيّة متصاعدة خمسة : الفطرة ، العقل ، الشريعة ، التوفيق وفي النهاية : العصمة ..
وهي مراتب متلاحقة يتدرّج في الصعود إليها حتّى بلوغ قمّة الكمال.
ولكلّ هذه المراتب مراحل ، يقضيها السالك إلى الله سيرا حثيثا ، وفي ظلّ ولاية الله الفارهة.
(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ)(٣) فكلّ درجة يقضيها العبد ، فقد خرج من ظلمة إلى نور .. ظلمة نسبيّة حسب درجات نوريّة متصاعدة.
أمّا المعاكس في انتهاج طريقة الهدى ، فيتقهقر خلفيّا من نور إلى الظلمة ، وهكذا حتّى دركات الهاوية. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ)(٤).
ومن ثمّ فالذين اتّقوا كانوا على هدى من ربّهم وأولئك هم المفلحون في نهاية المطاف.
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٦٩.
(٢) الجنّ ٧٢ : ١٦.
(٣) البقرة ٢ : ٢٥٧.
(٤) البقرة ٢ : ٢٥٧.