بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ)(١).
هذا هو التوفيق الإلهي يخصّ أولئك الّذين صمدوا على الحقّ واستسلموا لقيادته الرشيدة. فوافتهم العناية الربّانيّة الكريمة.
والتوفيق : تمهيد الأسباب نحو المطلوب الخير.
(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ)(٢). فبما أنّهم اهتدوا ، أي سلكوا سبل السّلام سعيا وراء الاهتداء إلى الحقّ وسعادة الحياة ، زادهم الله هدى ، أي أنار لهم الدرب اللائح وكشف عنهم الظلام.
وآتاهم تقواهم ، أي منحهم بصيرة في الدين وعلما في يقين ، فلا يضلّوا ولا يفوتهم نهج الصواب. (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(٣). فلا يضلّوا الطريق ما رافقهم الدليل الخبير.
أمّا الّذين عاكسوا الفطرة وأغفلوا نور العقل ونبذوا دلائل الشرع ، فهم في الحقيقة عاكسوا حظّهم وظلموا بأنفسهم واستبدلوا الشقاء بالسعادة ، واشتروا بآيات الله ثمنا قليلا وخسروا خسرانا مبينا. (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى. قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً. قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى. وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى)(٤).
(كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(٥).
(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ)(٦).
فذلك المنح ، وهذا المنع ، كلّ عن علّة مقتضية وعن حكمة في الخلق والتدبير ، وهذا هو معنى قوله تعالى : (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٧). فيضلّ أي يخذل من
__________________
(١) فصّلت ٤١ : ٣٠ ـ ٣١.
(٢) سورة محمّد ٤٧ : ١٧.
(٣) العنكبوت ٢٩ : ٦٩.
(٤) طه ٢٠ : ١٢٤ ـ ١٢٧.
(٥) آل عمران ٣ : ٨٦.
(٦) الزمر ٣٩ : ٣.
(٧) إبراهيم ١٤ : ٤.