قلت : والمذهب الصحيح هو ما ذهب إليه أبو جعفر الطبري ، في كلّ ما أهمل القرآن ذكره حيث لم تعد في معرفته فائدة على المخاطبين ولا كانت ذات أثر في هدف القصّة ، وإلّا لم يكن الله ليهمله. إذن فكلّ محاولة لفهم هكذا مجهولات أو حلّ هكذا معضلات ـ إن صحّ التعبير عنها بالمعضلات ـ محاولة عقيمة لا ترسو على معتمد ولا تعود بفائدة.
وكلّ ما ورد بهذا الشأن من آثار ، ضعيفة الإسناد وضيعة الدلالات ولا ترجع إلى محصّل.
نعم ، كان النهي عن اقتراب الشجرة ـ كما تقدّم الحديث عنه ـ ابتلاء لآدم واختبارا له في الحياة ، كيف يجعل إرادته بالذات دليلا على انتهاج سبيل الهدى فلا ينزلق إلى الردى. وقد كانت التجربة عنيفة ، لم يطق آدم ـ وهو أبو البشر ـ أن يحمل عبئه بسلام ، (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(١). وعليه فالتجربة المرّة لا تتكرّر في حياة أرباب العقول الناضجة وذوي والأحلام الراجحة.
[٢ / ١٢٤١] روى الكليني بإسناده إلى محمّد بن مسلم بن شهاب قال : سئل عليّ بن الحسين عليهالسلام أيّ الأعمال أفضل عند الله؟ فقال : «ما من عمل بعد معرفة الله ومعرفة رسوله أفضل من بغض الدنيا ، وإنّ لذلك لشعبا كثيرة ، وللمعاصي شعبا. فأوّل ما عصي الله به الكبر ، وهي معصية إبليس حين أبى واستكبر وكان من الكافرين ، ثمّ الحرص وهي معصية آدم وحوّاء حين قال الله ـ عزوجل ـ لهما : (وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) فأخذا ما لا حاجة بهما إليه ، فدخل ذلك على ذرّيّتهما إلى يوم القيامة ، وذلك أنّ أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه» (٢).
[٢ / ١٢٤٢] وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال : بلغني أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إنّ آدم قبل أن يصيب الذنب كان أجله بين عينيه وأمله خلفه ، فلمّا أصاب الذنب جعل الله أمله بين عينيه وأجله خلفه ، فلا يزال يؤمّل حتّى يموت» (٣).
[٢ / ١٢٤٣] وأخرج وكيع وأحمد في الزهد عن الحسن قال : كان آدم قبل أن يصيب الخطيئة أجله
__________________
(١) طه ٢٠ : ١١٥.
(٢) نور الثقلين ١ : ٦٠ ؛ الكافي ٢ : ١٣٠ ـ ١٣١ / ١١ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب ذمّ الدنيا والزهد فيها ، و ٣١٦ ـ ٣١٧ / ٨ ، باب حبّ الدنيا والحرص عليها ؛ البحار ٧٠ : ٥٩ / ٢٩ ؛ كنز الدقائق ١ : ٣٦٣ ؛ البرهان ١ : ١٨٣ / ٧.
(٣) الدرّ ١ : ١٤١ ؛ ابن عساكر ٧ : ٤٤٢ ، رقم ٥٧٨ ؛ كنز العمّال ٣ : ٤٩٠ / ٧٥٥٤.