وقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) [الأنعام : ١٢١] الآية.
قال عكرمة وعطاء ومكحول : هي منسوخة بقوله : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) [المائدة : ٥] قالوا : قد أحل الله لنا طعامهم وهم لا يسمون وقد وقع الإجماع على أكل ذبيحة الناسي لذكر الله عند الذبح (١).
وقال الحسن وابن سيرين والشعبي : هي محكمة ولا يجوز أن تؤكل ذبيحة لم يذكر اسم الله عليها (٢).
__________________
(١) انظر : الإيضاح (٢٤٨).
(٢) قال ابن العربي في الأحكام الصغرى : قيل المراد بذلك كل مطعوم ، عملا بعموم اللفظ ، وإنما سمح الشرع بذلك ، لأنهم يتوقون القاذورات ، ولأنهم تؤكل ذبائحهم ؛ وأما المجوس ، فلا تؤكل ذبائحهم ولا طعامهم لقذارتهم.
روى الترمذي عن أبي ثعلبة الخشني أنه قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قدور المجوس ، فقال : ((أنقوها غسلا ، واطبخوا فيها)). قالوا : يا رسول الله ، إنا بأرض أهل الكتاب فنطبخ في قدورهم ونشرب في آنياتهم؟ فقال :((إن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء)). وقد نقل البخاري في هذا الحديث.
واعلم أن غسل آنية المجوس فرض ، وأن غسل آنية أهل الكتاب ندب ، وقد توضأ عمر من جرة نصرانية.
وقيل : المراد بطعامهم ذبائحهم ، لأن الله قد أذن في طعامهم ، وقد علم أنهم يسمون غيره ، ولكنهم لما تمسكوا بكتاب ، وتعلقوا بنبي ، فضلوا على أهل الأنصاب.
وقد قال مالك : تؤكل ذبائحهم ، إلا ما ذبحوا يوم عيدهم ولأنصابهم.
وقال جماعة العلماء : تؤكل ذبائحهم وإن ذكروا عليها اسم غير المسيح من صنم وغيره.
وقد قال بعض الشافعية : إن التسمية ليست شرطا ، بدليل أن النصراني لو ذكر الله حقيقة ، لم يذكره على حقيقة العبادة ، لأنهم لا يعرفون الله ؛ واشتراط التسمية على غير ذكر العبادة لا يعقل ؛ وجوابه أن صورة التسمية تعقل ، وإن لم يعقل المسمى ، ولو شرط ذلك ، لمنع أكل ذبائح عوام المسلمين ، لأنهم لا يعرفون الله حقيقة ؛ وإنما حرم الشرع ذبائح يذكر عليها غير الله تصريحا ، فأما من يقصد الله فتؤكل ذبيحته ؛ وأما من سمى الله وهو يقصد المسيح ، أو ذكر المسيح ، وهو يقصد الله ، فمرجع أمره إلى الله تعالى ؛ ولكنه ضل عن الطريق ، فهذا قد سمح الشرح في أكل ذبائحه. وقد سئل أبو الدرداء عما يذبحونه في كنائسهم ، فقال : يؤكل.
وقال الشعبي وعطاء : تؤكل ذبائحهم وإن ذكروا عليها غير الله ، وهذا ناسخ لقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ). ـ