يختلف أحد من أهل العلم أن هذه الآية غير منسوخة ، وإنما اختلفوا هل هي ناسخة أم لا؟ فقالت طائفة : هي ناسخة ولم تنسخ قرآنا ، وإنما نسخت ما كانوا عليه قبل الإسلام ، كان الرجل إذا ظاهر من امرأته حرمت عليه ، وكانوا يجعلون ذلك طلاقهم ، فنسخ الله ذلك بالكفارة المذكورة في هذه الآية ، وهذا قول جاءت به الرواية عن ابن عباس وغيره (١).
ويقول بعض هؤلاء : أما ما كان من تحريم الرجل منهم امرأته أبدا بالظهار ، فهو منسوخ بما في هذه الآية من الأمر بالكفارة وأما كونهم يجعلون الظهار طلاقهم ، فإنما نسخ الله ذلك بقوله في سورة البقرة : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) [البقرة : ٢٢٩].
وقال أكثر أهل العلم : إن قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) ليس من باب الناسخ والمنسوخ ، لأنه نسخ أحكام الجاهلية ، والقرآن كله ناسخ لمثل ذلك (٢).
(٨٧ و) وقوله تعالى : (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ) [المجادلة : ١٢] الآية. قال سلمة بن كهيل نسخها تعالى بقوله : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا) [المجادلة : ١٣] الآية وهو قول أكثر العلماء (٣).
وروى علي بن علقمة ، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو على منبر الكوفة ، أن في كتاب الله آية ما عمل بها أحد غيري ، ولا يعمل بها أبدا ، فسأله الناس عنها فقال : هي (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) وذلك أنه لما كثرت المسائل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أنزل الله هذه الآية ، فكف الناس عنه ، وكان عندي دنينير فصرفته بعشرة دراهم ، وجعلت متى أردت أن أسأله أتصدق بدرهم ، حتى لم يبق في يدي غير درهم واحد وأحببت أن أسأله فتصدقت به وسألت : فنسخت الآية بقوله تعالى : (أَأَشْفَقْتُمْ)(٤).
__________________
(١) انظر : الإيضاح : (٣٦٧).
(٢) انظر : الإيضاح : (٣٦٨).
(٣) انظر : الناسخ والمنسوخ لقتادة : (٤٨).
(٤) انظر : تفسير الطبري : (٢٨ / ٢١).