ركب ناقته حتّى أتى المشعر الحرام فدعا وكبّر وهلّل ولم يزل واقفا حتّى أسفر ، ومعنى عند المشعر الحرام ما يليه ويقرب منه ، فإنّه أفضل ، وإلّا فالمزدلفة كلّها موقف.
هذا إن جعل المشعر عبارة عن قزح ، ولو جعل عبارة عن مجموع ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسّر أعني المزدلفة كلّها ففي لفظة «عند» تجوّز.
(وَاذْكُرُوهُ) كرّر الأمر بذكره للإشارة إلى أنّ الإنسان ينبغي أن يكون محافظا على ذكره لا يتركه في شيء من الأوقات ، ومعناه اذكروه بالثناء والشكر (كَما هَداكُمْ) كما علّمكم ، أو اذكروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة إلى المناسك وغيرها ، فما مصدريّة أو كافّة.
(وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ) قبل الهدى (لَمِنَ الضَّالِّينَ) الجاهلين الّذين لا يعرفون كيف يذكرونه ويعبدونه ، وإن هي المخفّفة من الثقيلة بدلالة اللّام ، فإنّها تلزمها وتفرق بينها وبين النافية أو الشرطيّة وقيل إنّها نافية واللام بمعنى إلّا كقوله (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) (١).
الرابعة : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢).
(ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) أي من المزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفات إليها والخطاب عامّ ، والكلام معطوف على مقدّر أي أفيضوا من عرفات ، فإذا أفضتم منها إلخ ثمّ أفيضوا من حيث إلخ فتكون ثمّ على حقيقتها لما في التراخي الزماني بين الإفاضتين.
ويكون فيها دلالة على وجوب الوقوف بالمشعر ، لأنّ الإفاضة إنّما يكون بعد الوقوف فيه ، ووجوب نزول منى ، والمراد بالناس آدم وإبراهيم وإسماعيل عليهمالسلام وغيرهم
__________________
(١) الشعراء : ١٨٦.
(٢) البقرة : ١٩٩.