خَلاقٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (١).
(فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) فإذا قضيتم العبادات الحجيّة وفرغتم منها ، والمناسك جمع منسك مصدر نسك ، أطلق على العبادة إطلاق المصدر على المفعول أو بمعناه المصدري أي فعلتم أفعالكم الّتي كانت عبادة ، أو يكون اسم مكان أطلق عليها تجوّزا أو بحذف المضاف أي عبادات مناسككم (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) فأكثروا ذكره تعالى بالغوا فيه كما تفعلون بذكر آبائكم في المفاخرة (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) منصوب عطفا على كذكركم.
والمعنى أنّ ذكركم لله بعد قضاء المناسك يكون إمّا مساويا لذكر آبائكم أو أشدّ وأكثر وأعلى ذكرا من ذكر الآباء ويحتمل أن يكون مجرورا عطفا على الذّكر بجعل الذكر بمعنى الذاكر على المجاز ، والمعنى واذكروا الله ذكرا كذكر آبائكم أو كذكر أشدّ منه وأبلغ ، أو على ما أضيف إليه بمعنى أو كذكر قوم أشدّ منكم ذكرا.
وقد اختلف في الذكر المأمور به هنا ، فقيل هو التكبير الواقع في منى يوم النحر وأيّام التشريق لأنّه الذكر المرغّب فيه ، والأمر به محمول على الاستحباب كما عليه أكثر الأصحاب لوجود ما ينفى وجوبه من الأخبار ، وقيل إنّ المراد به الذكر مطلقا في تلك الأماكن ، فإنّه فيها أفضل منه في غيرها.
ويؤيّده (٢) ما قيل إنّ قريشا كانوا إذا فرغوا من الحجّ يجتمعون هناك ويعدّون مفاخر آبائهم ومآثرهم ، ويذكرون أيّامهم القديمة ، وأياديهم الجسيمة ، فأمرهم الله سبحانه أن يذكروه في مكان ذكرهم في هذا الموضع ، ويزيدوا على ذلك بأن يذكروا
__________________
(١) البقرة : ٢٠٠ ـ ٢٠٢.
(٢) نقله المفسرون ورواه في المجمع ج ١ ص ٢٩٧ عن الباقر عليهالسلام.