نعم الله سبحانه ، ويعدّوا آلاءه ويشكروا نعماءه لأنّ آباءهم وإن كانت لهم عليهم أياد ونعم ، فنعم الله سبحانه عليهم أعظم ، وأياديه عندهم أفخم وأجسم ، ولأنّه سبحانه المنعم بتلك المآثر والمفاخر على آبائهم وعليهم ، وقيل إنّ معناه فاستعينوا بالله وافزعوا إليه كما يفزع الصبيّ إلى أبيه في جميع أموره ويلهج بذكره.
ثمّ إنّه تعالى فصّل الذّاكرين بين مقلّ لا يطلب بذكر الله إلّا متاع الدّنيا ومكثر يطلب به خير الدارين كما قال (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا) أي اجعل إيتاءنا ومنحنا في الدّنيا (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) من نصيب وحظّ لأنّه جعل عطاءه مقصورا على الدّنيا فهو غير مؤمن بالبعث والنّشور ، ويحتمل أن يكون المراد : وماله فيها من طلب خلاق ، وإن كان مؤمنا بالآخرة وبعثها ، ويكون الكلام بمنزلة العتاب لهم من حيث إنّهم سألوا الله في أعظم المواقف وأشرف المشاهد أخسّ البضائع ، وأدون المطالب ، المشبّه تارة بكنيف واخرى بأحقر من جناح بعوضة ، معرضين عن العيش الباقي والنّعيم المقيم ، والمفعول الثّاني في قوله (آتِنا فِي الدُّنْيا) محذوف لأنّه كالمعلوم ، ويحتمل أن يكون نزّل منزلة المتعدّي إلى مفعول واحد ، والمعنى اجعل عطاءنا في الدّنيا خاصّة.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) هي الصحّة والكفاف وتوفيق الخير (وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) هي الثواب والرّحمة ، وقيل إنّ الحسنتين نعيم الدّنيا ونعيم الآخرة.
وروي عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّها المعاش وحسن الخلق في الدّنيا والجنّة في الآخرة رواه الكلينيّ صحيحا عن جميل بن صالح عنه عليهالسلام (١) وقيل العلم والعبادة في الدّنيا والجنّة في الآخرة ، وقيل المال في الدّنيا وفي الآخرة الجنّة وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال (٢) من اوتي قلبا شاكرا ، ولسانا ذاكرا ، وزوجة مؤمنة
__________________
(١) انظر نور الثقلين ج ١ ص ١٦٦ وص ١٦٧ والبرهان ج ١ ص ٢٠٢ وص ٢٠٣ والمجمع ج ١ ص ٢٩٧.
(٢) رواه في المجمع ج ١ ص ٢٩٨.