وقد يستدلّ به على أنّه لا يجوز التعرّض للجاني في غيره إذا التجأ إليه ، ولا يقام عليه الحدود وهو كذلك عند أصحابنا ، فإنّهم يذهبون إلى أنّ الحرم كلّه مأمن الخائف الملتجئ إليه لا يقام عليه فيه شيء من الحدود ، وقال الشّافعي إنّ الامام يأمر بالتضيّق عليه بما يؤدّي إلى خروجه ، فإذا خرج أقيم عليه الحدّ في الحلّ ، فان لم يخرج جاز قتله فيه ، وكذلك من قاتل في الحرم جاز قتاله فيه ، وعند أبي حنيفة لا يستوفى قصاص النفس في الحرم إلّا أن ينشئ القتل فيه ، ولكن يضيّق الأمر عليه ، ولا يكلّم ولا يطعم ولا يعامل ، حتّى يخرج فيقتل ، وسلّم أنّه يستوفى منه قصاص الطرف ، وعند أحمد لا يستوفى من الملتجئ واحد من القصاصين ، والأصحّ ما ذهب إليه أصحابنا لإطلاق الأمن إلّا أن يقال : مقتضى الآية كون البيت أمنا لا الحرم ، ومع هذا ففي استفادة الحكم من ظاهر الآية تأمل إذ يجوز أن يكون المراد أنّه أمن من عذاب الآخرة أو لا يتعرّض له بالخراب ولا لأهله بالأذى ، نعم يتمّ ذلك بمعونة ما يدلّ عليه من الأخبار بحيث يظهر منها أنّه المقصود من الآية وقد مرّ نظيره سابقا.
(وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) على إرادة القول أي وقلنا اتّخذوا منه موضع صلاة تصلّون فيه ، و «من» هذه تجريديّة نحو رأيت منك أسدا ، أو عطف على المقدّر عاملا لإذ ، أو اعتراض معطوف على مضمر تقديره توبوا إليه واتّخذوا ، على أنّ الخطاب لامّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم [أن يتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى أو المعنى أنّا لمّا شرّفناه ووصفناه بكونه مثابة للنّاس وأمنا فاتّخذوه أنتم قبلة لأنفسكم على أنّ الواو بمعنى الفاء كما قيل] (١).
قال الطبرسيّ في مجمع البيان استدلّ أصحابنا به على أنّ صلوه الطواف فريضة مثل الطواف لأنّ الله تعالى أمر بذلك وظاهر الأمر يقتضي الوجوب ، ولا صلاة واجبة عند مقام إبراهيم غير صلاة الطّواف بلا خلاف ، قلت وعلى الوجوب أكثر أصحابنا وهو المشهور فيما بينهم ، ونقل ابن إدريس عن شذاذ منهم الاستحباب ، وعلى الوجوب الشافعيّ في أحد قوليه وجماعة من العامّة ، وأكثرهم على الاستحباب ، ويدلّ على الوجوب
__________________
(١) من مختصات نسخة سن.