العبادة مرغّب مندوب إليه كما فعله إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام وعلى هذا فيمكن استفادة استحباب التعقيب بعد الصلاة بالأدعية وخصوصا المأثورة.
(رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) أي مخلصين لك أوجهنا من قوله أسلم وجهه لله أو مستسلمين من أسلم إذا استسلم وانقاد ، والمراد طلب الزّيادة في الإخلاص والإذعان أو اجعلنا كذلك في مستقبل أعمارنا كما جعلتنا كذلك في ماضيها بأن توفّقنا للطّاعة وتفعل بنا الألطاف الدّاعية إلى الثبات على الإسلام ويجوز أن يكونا قالا ذلك تعبّدا كما قال تعالى (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) (١) وقرئ بصيغة الجمع على أنّ هاجر معهما أو أنّ التثنية من مراتب الجمع.
(وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) عطف على سابقه أي واجعل بعض ذريّتنا أي أولادنا ، وإنّما خصّا بعضهم لأنّه تعالى أعلم إبراهيم أنّ في ذرّيته من لا ينال عهده لما يرتكبه من الظّلم ، وعلما أنّ الحكمة الإلهيّة لا تقتضي الاتّفاق على الإخلاص والإقبال الكليّ على الله من الجميع ، فإنّه ممّا يشوّش أمر المعاش ، ولذا قيل : لو لا الحمقى لخربت الدّنيا ، ولعلّ تخصيص الذرّية بالدّعاء لما أنّهم أحقّ بالشفقة والمودّة ، أو لأنّ أولاد الأنبياء إذا صلحوا صلح بهم غيرهم ، وتابعوهم على الخير ، ألا يرى أنّ المقدّمين من العلماء والكبراء إذا كانوا على السّداد والصّلاح تسبّب ذلك لسداد من وراءهم.
وقيل : إنّ المراد امّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم بدلالة قوله (وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) (٢) والمرويّ عن (٣) الصّادق عليهالسلام أنّ المراد بالآية بنو هاشم خاصّة وفي الآية دلالة على استحباب الدّعاء للذريّة بالصّلاح والسّداد والتّقوى.
__________________
(١) الأنبياء : ١١٢.
(٢) البقرة : ١٢٩.
(٣) رواه العياشي ج ١ ص ٦١ بالرقم ١٠١ ونقله عنه في البحار ج ٧ ص ١٢٢ وفي البرهان ج ١ ص ١٥٦ ورواه أيضا في المجمع ج ١ ص ٢١٠ ورواه عنه في نور الثقلين ج ١ ص ١٠٩ بالرقم ٣٧٨ وحديث العياشي بالرقم ٣٧٩.