في المآل لما فيه من المصلحة المتعلّقة به ، كما تكرهون الجهاد لما فيه من المخاطرة بالقتل مع أنّ فيه إحدى الحسنيين لكم : إمّا الظفر والغنيمة مع ثواب المجاهدين ، وإمّا الشّهادة والجنّة في المآل كما هو المشهور في أمر الشّهداء.
(وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً) كترك الجهاد مثلا (وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) لتفويتكم المنافع المترتّبة عليه ، وكذا الكلام في جميع التكاليف والعبادات المقرّبة إلى الله ، والمناهي المبعّدة عنه المهلكة ، ولعلّ ذكر عسى للتّنبيه على أنّه قد يظهر لهم وجه المصلحة في بعض التّكاليف كما يقوله العدليّة بالنّسبة إلى حسن بعض الأشياء ضرورة ، أو نظرا وقبحها كذلك ، أو لأنّ النّفس إذا ارتاضت وتوطّنت انعكس الأمر عليها.
(وَاللهُ يَعْلَمُ) مصالحكم ومنافعكم (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك لقلّة تدبّركم وكثرة ميولكم إلى مقتضى النّفس ، وفي الآية دلالة على وجوب الجهاد.
وقال الطّبرسي في مجمع البيان (١) أجمع المفسّرون إلّا عطا أنّ هذه الآية دالّة على وجوب الجهاد وفرضه ، وقال عطا : إنّ ذلك كان واجبا على الصّحابة ولم يجب على غيرهم ، وقوله شاذ عن الإجماع ، ويؤيّده أنّ التّخصيص يحتاج إلى دليل والأحكام الواردة في القرآن ، وإن وردت على الخطاب ، إلّا أنّ التكليف بها شامل للأمّة إلى يوم القيمة ، نعم لو كان هناك دليل يدلّ على الاختصاص وجب الوقوف معه وهو غير ثابت هنا.
وبقي الكلام في الوجوب المستفاد منها ، هل هو على الكفاية أو الأعيان؟ والمشهور بين العلماء أنّه على الكفاية ، بل انعقد الإجماع عليه ، وهو الّذي أوجب حمل الآية عليه وإلّا فإطلاق الوجوب ينصرف إلى العين ، وأخذ بعضهم بظاهر ذلك فأوجبه عينا وهو نادر مع تقدّم الإجماع عليه وتأخّره عنه.
وفيها أيضا دلالة على أنّ الأحكام تابعة للمصالح وإن خفيت كما اعترف به القاضي ظنّا منه أنّها تتمّ على قولهم بنفي الحسن والقبح العقليّين ، وإنّما يتمّ على قول العدليّة الذّاهبة إلى أنّ الأحكام تابعة للمصالح الثّابتة في الأفعال ، وأنّ حسنها
__________________
(١) المجمع ج ١ ص ٣١١.