هتكوا حرمة شهركم بالصدّ ، فافعلوا بهم مثله ، وادخلوا عليهم عنوة ، واقتلوهم إن قاتلوكم ، أو المراد أنّ القتل في الشهر الحرام حرام ، والحرام لا يجوز من المسلمين إلّا قصاصا.
(فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) اي جازوه بظلمه وافعلوا به مثل ما فعل ، والثاني ليس باعتداء وظلم ، بل عدل إلّا أنّه سمّي به للمشاكلة كما في قوله (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (١).
(وَاتَّقُوا اللهَ) باجتناب المعاصي فلا تظلموا ولا تمنعوا عن المجازات ولا تتعدّوا فيها عن المثل والعدل (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) فيحرسهم ويصلح شأنهم ، وأصل «مع» المصاحبة في المكان والزمان.
وفي الآية دلالة [على إباحة القتال في الشهر الحرام ، لمن لا يراعي حرمته سواء كان ممّن يرى له حرمة أولا و] على وجوب تسليم النّفس وعدم المنع من المجازات والقصاص ، وعلى وجوب الردّ ممّن غصب شيئا وأتلفه على وجه الضمان مثله أو قيمته وعلى أنّ الغاصب إذا لم يردّ [الحقّ] المغصوب على صاحبه جاز لصاحبه أن يأخذ من ماله بقدر ما غصب منه ، بل لو عرف أنّ أخذه خفية أمكن له أخذه كذلك ، أو جهرة من غير رضاه مع امتناعه عن الدّفع كما قال الفقهاء لكن على طريق المقاصّة وإطلاق الآية يقتضي عدم الفرق بين أن يتمكّن من إثباته عند الحاكم أولا.
ولا فرق في ذلك بين المال وغيره من الحقوق ، فيجوز الأداء بمثله أيضا من غير إذن الحاكم ولا إثباته عنده وكذا القصاص إلّا أن يكون جرحا لا يجرى فيه القصاص ، أو ضربا لا يمكن حفظ المثل فيه ، أو فحشا لا يجوز التكلّم به ، كالرمي بالزنا مثلا وحينئذ فيرفعه إلى الحاكم ليقتصّ منه بالتعزير ونحوه ، وتفاصيل ذلك يعلم من الفقه ، وقد كثرت الآيات الواردة في القرآن بوجوب الجهاد وفيما ذكرناه كفاية.
__________________
(١) الشورى : ٤٠.