والظاهر أنّ مراده ذلك ، وعلى هذا فما ورد من الآيات بخلوده في النّار كقوله تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) (١) مخصوص بغير التّائب مع أنّ الخلود فيه محمول على المكث الطّويل كما سيجيء التّنبيه عليه إن شاء الله.
(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي شرك بالله ، وهو بيان لغاية وجوب القتال والآية محمولة على الغالب ، فانّ قتالهم لا يزيل الكفر رأسا ، نعم الغالب الإزالة لأنّ من قتل منهم فقد زال كفره ، ومن لم يقاتل كان يخاف من الثّبات على كفره.
(وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) خالصا له ليس للشّيطان فيه نصيب ، والمراد حتّى لا يبقى الكفر ، ويظهر الإسلام على الأديان كلّها.
(فَإِنِ انْتَهَوْا) عن الكفر (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) أي فلا تعتدوا على المنتهين ، من باب وضع العلّة موضع الحكم ، أو فلا تظلموا إلّا الظّالمين غير المنتهين سمّي جزاء الظّالمين ظلما للمشاكلة ، كقوله (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) (٢) أو المراد أنكم إن تعرّضتم لهم بعد انتهائهم كنتم ظالمين ويسلّط عليكم من يعدو عليكم والفاء الاولى للتعقيب ، والثانية للجزاء ، وفي الآية دلالة على أنّه لا يجوز القتل ولا السّبي وغيره من أقسام العدوان بعد الدّخول في الإسلام.
(الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) قاتلهم المشركون (٣) عام الحديبيّة في شهر ذي القعدة سنة ستّ ، واتّفق خروجهم لعمرة القضاء في ذلك الشّهر أيضا سنة سبع وكرهوا القتال فيه ، فقيل لهم : هذا الشّهر بذاك ، وهتكه بهتكه ، فلا تبالوا به في قتالهم.
(وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) احتجاج عليه أي كلّ حرمة وهو ما يجب أن يحافظ عليها يجرى فيها القصاص ، فمن هتك حرمة أيّ حرمة كانت اقتصّ بأن يهتك له حرمة ولمّا
__________________
(١) النساء : ٩٣.
(٢) البقرة : ١٩٣.
(٣) في سن : قاتل المشركون المسلمين إلخ.