قتالهم وإن كان في المسجد الحرام.
(فَإِنِ انْتَهَوْا) امتنعوا عن الشرك والقتال (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر لهم ما قد سلف من ذنوبهم ، وفيها دلالة على أنّ الإسلام يجبّ ما قبله كقوله (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) (١).
قال الطّبرسيّ في مجمع البيان : وفيه دلالة على قبول التوبة من القتل عمدا لأنّ الشّرك الّذي هو أعظم منه يقبل التوبة منه ، فالقتل بالطّريق الأولى.
ولا يذهب عليك أنّ هذا مبنيّ على أنّ المراد من الفتنة في الآية الشرك ، وقد عرفت احتمال غيره احتمالا مساويا ، سلّمناه ، لكنّ القتل حقّ النّاس ، وهو لا يسقط بالتوبة على ما قيل ، بخلاف الشّرك ، فإنّه حقّه تعالى فيسقط بالتوبة ، ولا يلزم من إسقاط حقّه تعالى بها إسقاط حقّ الغير بها أيضا ، اللهمّ إلّا أن يريد قبول التوبة بعد الخروج عن حقّ المقتول لخروجه عن حقّ النّاس حينئذ ويبقى حقّه تعالى يسقط بالتوبة.
__________________
ـ يكون قرينة على بيان المراد من العام ، وان علم تقدمه في الورود فكيف إذا لم يعلم ذلك وعلى هذا فيختص قتال المشركين بغير الحرم ، الا أن يكونوا هم المبتدئين بالقتال فيه فيجوز قتالهم فيه حينئذ.
وان استندوا في نسخ الآية إلى الرواية القائلة ان النبي (ص) أمر بقتل ابن خطل وقد كان متعلقا بأستار الكعبة فهو باطل أيضا أولا لأنه خبر واحد لا يثبت به النسخ ، ثانيا لانه لا دلالة على النسخ فإنهم رووا في الصحيح عن النبي (ص) قوله «انها لا تحل لأحد قبلي وانما أحلت لي ساعة من نهار» (وقد مر مصادر الحديث من طرق الفريقين في ص ٢٩٦ من هذا الكتاب) وصريح هذه الرواية أن ذلك من خصائص النبي فلا وجه للقول بنسخ الآية ، الا المتابعة لفتوى جماعة من الفقهاء والآية حجة عليهم انتهى.
(١) الأنفال : ٣٨.