ومن قال إنّهم يجوز أن يكونوا عارفين بالله ، قال إنّ الآية خرجت مخرج الذمّ لهم ، لأنّهم بمنزلة من لا يقرّ به في عظم الجرم كما أنّهم بمنزلة المشركين في عبادة الله تعالى بالكفر.
(وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) أي موسى وعيسى عليهماالسلام الّذين يزعمون وجوب متابعته ، فإنّه قد أخبر برسالة محمد صلىاللهعليهوآله وهم يخالفون ذلك ، ويحتمل أن يكون المراد ما ثبت تحريمه بالكتاب والسّنة كالخمر والخنزير ونحوهما.
(وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ) أي لا يعتقدون صحّة دين الإسلام الّذي هو الحقّ الثابت النّاسخ لسائر الأديان ومبطلها ، وفيه دلالة على أنّ دين اليهوديّة والنّصرانيّة غير الحقّ ، إمّا لأنّها نسخت ، فالكون عليها بعد النسخ باطل غير حقّ ، وإمّا لأنّ التوراة الّتي معهم مغيّرة مبدّلة ليست بالّتي نزلت من الله لقوله (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (١).
(مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) بيان للّذين لا يؤمنون ، وهم اليهود والنّصارى وأدخل العلماء فيهم المجوس لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» فحكمهم حكمهم.
(حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) غاية وجوب القتال ، والجزية فعلة من جزى يجزي إذا قضى ما عليه ، والمراد بها هنا العطيّة المقرّرة لإقامتهم بدار الإسلام ، تؤخذ منهم في كلّ عام ، سمّيت جزية لأنّها طائفة ممّا على أهل الذمّة أن يجزوه أي يقضوه ، أو لأنّهم يجزون بها ما منّ عليهم بالاعفاء عن القتل.
(عَنْ يَدٍ) حال من الضّمير المرفوع أي عن يدهم بمعنى مسلمين بأيديهم غير باعثين لها مع غيرهم نائبا عنهم في الدّفع إذا قدروا عليه ومن ثمّ منع الذمّي من التوكيل فيه مع القدرة. أو عن غنى ، ولذا قيل لا يؤخذ من الفقير ذهب إليه جماعة من الأصحاب ، أو عن يد قاهرة عليهم ، بمعنى عاجزين أذلّاء أو عن إنعام عليهم فإنّ إبقاءهم
__________________
(١) النساء : ٤٦ ، المائدة : ١٣.