حين كانت الهجرة إلى بلاد الإسلام لإظهار شرائعه وإقامة أحكامه فريضة واجبة.
(قالُوا) أي الملائكة توبيخا لهم وتبكيتا (فِيمَ كُنْتُمْ) في أيّ شيء كنتم من أمر دينكم إذ لم تكونوا في شيء من أمر الدّين ، بسبب ترك الهجرة الواجبة مع القدرة وترك إظهار الإسلام لعدم مبالاتهم بالشريعة ، وهو في الحقيقة نعي عليهم بأنّهم ليسوا من الدّين في شيء ، ولهذا لم يجيبوا بقولهم كنّا في كذا أو لم نكن في شيء (قالُوا) في جواب الملائكة معتذرين مما وبّخوا به (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) أي غير قادرين على الهجرة لعدم المؤنة على السّفر ، أو غير قادرين على إظهار الايمان لما فيهم من الضّعف.
(قالُوا) أي الملائكة تكذيبا لهم على الأوّل (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) يعني كنتم قادرين على الهجرة فتركتموها من عند أنفسكم ، وعلى الثاني كنتم قادرين على إظهار الايمان بأن تهاجروا إلى قطر آخر [تتمكّنوا فيه من إظهار دينكم] كما فعل المهاجرون إلى المدينة والحبشة وأظهروا إيمانهم.
(فَأُولئِكَ) أي الّذين توفّيهم الملائكة على الوجه السابق (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) مسكنهم فيها ، لتركهم الهجرة الواجبة ، ومساعدتهم الكفّار في إخفاء معالم الدّين (وَساءَتْ مَصِيراً) مصيرهم أو جهنّم ، وفيها وعيد عظيم على ترك الهجرة من موضع يكون الإنسان فيه غير متمكّن من إقامة دينه ، ويلزم من ذلك وجوبها كما صرّح به القاضي وغيره.
وقال في الكشاف (١) «هذا دليل على أنّ الرّجل إذا كان في بلد لا يتمكّن فيه من إقامة أمر دينه كما يجب لبعض الأسباب ، أو علم أنّه في غير بلده أقوم بحقّ الله وأدوم على العبادة ، حقّت عليه المهاجرة» ولعلّه أراد من لفظ حقّت الوجوب ، لكن يشكل الأمر في وجوب المهاجرة مع الصّورة الثانية ، ومن ثمّ لم يتعرّض لها القاضي واقتصر في الدلالة على الأولى.
ولا يبعد حمل الثّانية على ما إذا تمكّن من إقامة بعض ما يجب عليه من أمر دينه
__________________
(١) الكشاف ج ٢ ص ٥٥٥ ط دار الكتاب العربي.