قالوا : ويؤيّد ذلك أنّ النبيّ (١) صلىاللهعليهوآلهوسلم بعث يوم الحديبية إلى أهل مكّة عثمان لأنّ عشيرته كانت أقوى بمكّة ، نعم يستحبّ لمثل هذا المهاجرة لما في الإقامة معهم من الاختلاط بهم ، وتكثير عددهم.
ثمّ استثنى ممّا تقدّم بقوله (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) والظاهر أنّ الاستثناء منقطع لعدم دخولهم في الموصول وضميره والإشارة إليه (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) لفقرهم وعجزهم عن التوصّل وعدم وجدانهم أسباب الهجرة وهي صفة «المستضعفين» ويجوز أن تكون صفة الرّجال وما بعده ، وإن كان نكرة لأنّ الموصوف لا يراد به شيء بعينه ، فهو كقوله «ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني».
(وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) ولا معرفة لهم بالمسالك والطّرق.
(فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) ذكر بكلمة الاطماع ولفظة العفو إيذانا بأنّ ترك الهجرة أمر خطير ، حتّى أنّ المضطرّ من حقّه أن لا يأمن ويسأل الله العفو عنه ويترصّد الفرصة فكيف بغيره.
(وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً) ومقتضاها عدم وجوب المهاجرة على تقدير عدم الحيلة والاستطاعة ، ووجود العذر المانع منها كالمرض والضّعف ، أو عدم النفقة أو غير ذلك وهي مؤكّدة الوجوب في صورة القدرة كما اقتضته الآية السابقة.
ولا يرد أنّه قد روي (٢) عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم «لا هجرة بعد الفتح» ومن ثمّ احتمل بعضهم كونه ناسخا لها ، إن كان متواترا ، أو مخصّصا لها أو مقيّدا إن لم يكن ، لأنّ المراد بالحديث نفي وجوب الهجرة عن مكّة بعد فتحها للتمكّن من إظهار شعائر الإسلام ولكونها صارت دار الإسلام لا أنّ المراد عدم الهجرة على العموم ، كيف والهجرة من
__________________
(١) انظر السير قصة عمرة الحديبية.
(٢) انظر الوسائل الباب ٣٦ من أبواب الجهاد الحديث ٧ ج ٢ ص ٤٣١ ط الأميري والمنتهى ج ٢ ص ٨٩٩ وانظر أيضا الجامع الصغير الرقم ٩٩٢٧ ج ٦ ص ٤٣٨ فيض القدير وفيه أنه أخرجه الجماعة إلا ابن ماجة وانظر سنن البيهقي ج ٩ من ص ١٥ الى ص ١٨ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٥٠ وص ٢٥١.