بلاد الشّرك واجبة قطعا والآيات عامّة وخصوص الأسباب لا يوجب تخصيصها.
ومنه يلزم اندفاع ما ذكره أيضا أنّ غاية ما يفهم منها وجوب المهاجرة في مادّة خاصّة بسبب خاصّ ، ولم يعلم منه أنّ كلّ هجرة واجبة ، وكلّ تارك لها ظالم إلّا أن يقاس باستخراج العلّة وإثباتها في الفرع ، وأنّى له ذلك ، ولهذا كان ترك هذه الهجرة كبيرة ، وفيه ما تقدّم من المبالغات الّتي كادت أن لا توجد في غيرها ، وكيف تكون غيرها كذلك مع أنّه نقل أن لا هجرة بعد الفتح انتهى.
ودفعه ظاهر ، فانّ الاعتبار بظاهر اللّفظ على ما عرفت وليس التعدّي إلى غيرها بالقياس ، بل من دلالة اللّفظ ، ولا يلزم من ورودها حال كون الهجرة من مكّة فريضة ارتفاع حكمها بعد ذلك ، بالنّسبة إلى غيرها أيضا فإنّ ارتفاع الحكم في مادّة معيّنة يكون على أحد وجهين : إما بنسخة أو بانتفاء متعلّقه ، وما نحن فيه من الثاني إذ الهجرة كانت فريضة قبل الفتح ، لما في الإقامة بمكّة من موافقة الكفّار ، ومساعدتهم على ترك إظهار الإسلام ، فمع انتفاء ذلك بالفتح ارتفع وجوبه.
وهكذا نقول : لو فرض أنّ بلدا من بلاد الحرب فتحه المسلمون ، وصار من بلادهم الّتي يقام فيها شعارهم ، فإنّه لا يجب الهجرة منه ، وإن كان قبل ذلك يجب المهاجرة عنه إجماعا.
قال العلّامة في المنتهى (١) وجوب الهجرة باق ما دام الشّرك باقيا لوجود المقتضى وهو الكفر الّذي يعجز معه عن إظهار شعائر الإسلام ، ولما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : لا ينقطع الهجرة حتّى ينقطع التوبة ، ولا ينقطع التوبة حتّى تطلع الشّمس من مغربها (٢) وروى الكلينيّ بسنده (٣) عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال ألا إنّي بريء من
__________________
(١) المنتهى ج ٢ ص ٨٩٩.
(٢) المنتهى ج ٢ ص ٨٩٩ والبيهقي ج ٢ ص ١٧ وأبو داود ج ٣ ص ٦ الرقم ٢٤٧٩ وفي تذييله أنه أخرجه النسائي أيضا.
(٣) الكافي ج ١ ص ٣٣٩ باب انه لا يحل للمسلم ان ينزل دار الحرب وهو في المرآة ـ