في المستقبل ، ونظيره قوله (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) ومغفرته المستأنفة كالماضية ، وقيل : إنّ «كان» تامّة ، والمعنى وجدتم خير امّة وخلقتم كذلك ، وقيل كنتم في علم الله أو في اللّوح المحفوظ ، أو فيما بين الأمم المتقدّمة ، وقيل إنّها بمعنى صار.
(أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) أظهرت وخلقت (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) كلام مستأنف بيّن به كونهم خير امّة كما تقول زيد كريم : يطعم النّاس ويكسوهم ويقوم بمصالحهم (وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) عطف على سابقه والمراد الايمان بتوحيده وعدله ودينه وجميع ما يجب أن يؤمن به.
والوجه في كون هذه الأمّة خير الأمم مع أنّ الصّفات الثلاث كانت حاصلة لسائر الأمم أنّ الأمر بالمعروف قد يكون بالقلب وباللّسان وباليد وأقواها ما يكون بالقتال لأنّه إلقاء النفس في خطر القتل ، وأعرف المعروفات الدين الحقّ والايمان بالتوحيد والنبوّة ، وأنكر المنكرات الكفر بالله ، فكان الجهاد في الدين تحمّلا لأعظم المضارّ لغرض إيصال الغير إلى أعظم المنافع وتخليصه من أعظم المضارّ ، فكان من أعظم العبادات ، ولمّا كان أمر الجهاد في شرعنا أقوى منه في سائر الشرائع ، لا جرم صار ذلك موجبا لفضل هذه الأمة على سائر الأمم.
وأمّا الإيمان فلا شكّ أنّه في هذه الأمة أكمل من غيرها ، لأنّهم آمنوا بكلّ ما يجب الإيمان به من رسول أو كتاب أو بعث أو حساب إلى غير ذلك ، ولا يقولون (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) فإنّ الايمان بالبعض دون البعض بمثابة عدم الإيمان بالله عزوجل.
ولقد أخبر الله تعالى عن الكفّار بقوله (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) (١) وإنّما أخّره مع أنّ حقّه أن يقدّم ، لانّه قصد بذكره الدلالة على أنهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر إيمانا بالله وتصديقا ، وإظهارا لدينه ، واقتصر في وصف الأمّة على الإيمان
__________________
(١) النساء : ١٥٠.