(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ) بترك المعاصي وفعل الطّاعات (وَأَهْلِيكُمْ) بأن تدعوهم إليها وتحثّوهم على فعلها (ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) أي يتّقد بهما كما يتّقد غيرها بالحطب ، وقيل : المراد بالحجارة هي حجارة الكبريت ، ومنع الأهل ذلك إنّما يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وروى الكلينيّ عن أبى بصير في قوله عزوجل (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) قلت كيف أقيهم؟ قال تأمرهم بما أمر الله وتنهاهم عمّا نهاهم الله ، فإن أطاعوك كنت قد وقيتهم ، وإن عصوك كنت قد قضيت ما عليك ، وفيها دلالة على أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي أن يكون للأقرب فالأقرب ، ولذا ابتدأ بالنفس ثمّ بالأهل.
(عَلَيْها مَلائِكَةٌ) تلي أمرها زبانية موكلون بها (غِلاظٌ شِدادٌ) غلاظ الأقوال شداد الأفعال أو غلاظ في الأخلاق أقوياء على الأفعال الشديدة لا تأخذهم رأفة في تنفيذ أمر الله تعالى ، والغضب له ، والانتقام من أعدائه ، وإن كانوا رقاق الأجسام لأنّ الظاهر من حال الملك أنّه روحانيّ فخروجه عن الرّوحانيّة كخروجه عن صورة الملائكة (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ) فيتقبّلون أوامره ، ويلتزمونها ولا يأبونها ولا ينكرونها (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) أي يؤدّون ما يؤمرون به ، لا متثاقلين عنه ولا متوانين فيه.
قال الشيخ في التبيان (١) : وفي ذلك دلالة على أنّ الملائكة الموكّلين بالنّار وبعقاب العصاة معصومون من فعل القبائح لا يخالفون الله في أمره ، ويمتثلون كلّ ما يأمرهم به ، وعمومه يقتضي أنّهم لا يعصونه في صغيرة ولا كبيرة ، وقال الرّماني لا يجوز أن يعصى الملك في صغيرة ولا كبيرة لتمسّكه بما يدعو إليه العقل دون الطبع فإنّه لا يقع منه قبيح ، ثمّ قال : وقال الجبائي قوله تعالى (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) يعني في دار الدّنيا لأنّ الآخرة ليست دار تكليف إنّما هي دار جزاء ، وإنّما أمرهم الله بتعذيب أهل النّار على وجه الثواب لهم ، بأن جعل
__________________
(١) انظر التبيان ج ٢ ص ٦٩٠ ط إيران.