الطريق كما سمّى اللصّ القاطع الطريق بابن الطريق ، ويدخل فيه الضيف وهذا التفسير ممّا اختاره الشيخ وأكثر أصحابنا ، وتابعهم فيه مالك وأبو حنيفة ، وقال الشافعيّ : ابن السبيل المجتاز ، والمنشئ للسفر أيضا وهو قول ابن الجنيد من أصحابنا ، والأظهر الأوّل لأنّ المتبادر من ابن السبيل من كان ملازما له وكونه فيه ، وظاهر أنّ ذلك لا يتحقّق في المنشئ للسفر ، ويؤيده ما ذكره علىّ بن إبراهيم (١) في تفسيره عن العالم عليهالسلام قال : ابن السبيل أبناء الطريق الّذين يكونون في الأسفار في طاعة الله ، فيقطع عليهم ، ويذهب ما لهم ، فعلى الامام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات.
احتجّ الخصم بأنّه يسمّى ابن السبيل لأنّه يريد الطريق ولأنّه يريد إنشاء السفر في غير معصية ، فجاز أن يعطى من سهم ابن السبيل كما لو نوى إقامة مدّة ينقطع بها سفره ثمّ أراد الخروج فإنّه يدفع إليه من الصدقة إجماعا ، مع كونه منشئا للسفر.
والجواب عن الأوّل أنّ التسمية فيه مجاز باعتبار ما يؤل إليه واللفظ عند الإطلاق وعراء القرائن إنّما ينصرف إلى الحقيقة وعن الثاني بأنّ انقطاع السفر فيما ذكرتموه من الصور حكم شرعيّ لا عرفي ولا لغويّ إذ لا يسمّى الخارج من غير بلده بعد مقام خمسة عشر يوما أو عشرة أيّام على اختلاف المذهبين أنّه منشئ للسفر لغة ولا عرفا ، فيكون مثله داخلا في الآية لكونه ملازما للسفر لا لكونه منشئا له ، والغرض من هذا الكلام أنّ المنشئ للسفر لا يعطى من سهم ابن السبيل ، نعم يعطى من سهم الفقراء إن كان فقيرا.
(فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) نصب على المصدر ، أي فرض الله ذلك فريضة وهو دالّ على الوجوب وقرئ بالرفع على «تلك فريضة».
(وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) يضع الأشياء في مواضعها ، والظاهر من الآية أنّ المذكورين مصرفها ، وأنّها لهم لا تخرج منهم إلى غيرهم ، وهو ألصق بما قبلها أعنى قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا) الآية :
أخبر تعالى عن طعن المنافقين ولمزهم بأنّهم إذا لم يعطوا من الصدقات سخطوا وإن أعطوا رضوا ، فاقتضى الحال الردّ عليهم ببيان من يجب صرف الصدقات إليه قطعا
__________________
(١) قد مر الايعاز الى المصدر قبل ذلك.