وقد اختلفوا في كونه نبيّا أو لا ، والأكثر على أنّه كان حكيما ، ولم يكن نبيّا وقيل كان نبيّا عن عكرمة والسديّ والشعبي ، وفسّروا الحكمة هنا بالنبوّة ، وقيل إنّه كان عبدا أسود حبشيّا غليظ المشافر مشقوق الرّجلين في زمن داود عليهالسلام ، وقال له بعض النّاس : ألست كنت ترعى معنا؟ فقال نعم ، قال فمن أين أوتيت ما لديك؟ قال قدر الله وأداء الامانة ، وصدق الحديث ، والصّمت عمّا لا يعنى.
وعن نافع عن ابن عمر (١) قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : حقّا أقول لم يكن لقمن نبيّا ولكن كان عبدا كثير التفكّر حسن اليقين ، أحبّ الله فأحبّه ، ومنّ عليه بالحكمة ، كان نائما نصف النّهار إذ جاءه نداء يا لقمن هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض تحكم بين النّاس بالحقّ فأجاب إن خيّرني ربّى قبلت العافية ولم أقبل البلاء ، وإن عزم عليّ فسمعا وطاعة ، فانّى أعلم أنّه إن فعل ذلك بي أعانني وعصمنى فقالت الملائكة بصوت لا يراهم : لم يا لقمن؟ قال لأنّ الحكم أشدّ المنازل وأكدّها يغشاه الظلم من كلّ مكان ، إن وفا فبالحرىّ أن ينجو ، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنّة ومن يكون في الدّنيا ذليلا وفي الآخرة شريفا خير من أن يكون في الدّنيا شريفا وفي الآخرة ذليلا ، ومن يختر الدّنيا على الآخرة تفته الدّنيا ، ولا يصيب الآخرة. فتعجّبت الملائكة من حسن منطقه ، فنام يومه فاعطى الحكمة فانتبه يتكلّم بها.
وعن ابن عبّاس : لقمن لم يكن نبيّا ولا ملكا ، ولكن كان راعيا أسود فرزقه الله العتق ، ورضي قوله ووصيّته فقصّ أمره في القرآن ليتمسّكوا بوصيّته ، فإنّها صدرت عن حكمة أعطاه الله تعالى إيّاها ، ومنحه بها. وحينئذ فيصحّ التمسّك بها في ثبوت الاحكام.
(أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) أنّ هي المفسّرة لأنّ إيتاء الحكمة في معنى القول (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) لأنّ نفعه عائد إليه ، فإنّ دوام النعمة واستحقاق مزيدها اللّذين هما من آثار الشكر إنّما يعودان على الشّاكر نفسه (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ) لا يحتاج
__________________
(١) المجمع ج ٤ ص ٣١٥.