قوله «يعلمه الله» لدلالته على أنّه تعالى مع العلم بمكانه ، قادر على الإتيان به وهو جواب الشرط (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) يصل علمه إلى كلّ خفيّ (خَبِيرٌ) عالم بكنهه وقيل المراد أنه لطيف باستخراجها خبير بمستقرّها ، وروى العياشي بإسناده عن ابن مسكان (١) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال اتّقوا المحقّرات من الذنوب فانّ لها ، طالبا لا يقولنّ أحدكم أذنب فأستغفر الله ، إنّ الله تعالى يقول (إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) الآية وروى (٢) أنّ ابن لقمن قال له أرأيت إلى الحبّة يكون في قعر مقرّ البحر أي في مغاصّه بعلمها الله فقال إنّ الله يعلم أصغر الأشياء في أخفى الأمكنة لأنّ الحبة في الصخرة أخفى منها في الماء.
(يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ) أي في أوقاتها الّتي أمر الله بالإقامة فيها لما فيها من تعظيم المعبود الحقّ (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) فإنّ الشفقة على الخلق يتمّ بهما (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) يجوز أن يكون عامّا في كلّ ما يصيبه من المحن والشدائد وأن يكون خاصّا بما يصيبه فيما أمر به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أذى من يبعثهم على الخير وينكر عليهم الشرّ ، ولكنّ العلماء اشترطوا في جوازهما عدم الضرر فلعلّ المراد أنّه مع ظنّ عدم الضرر ينبغي الإقدام عليهما ، وإن حصل الأذى بعده ، أو المراد أنّ نفس الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر كلفة ينبغي الصّبر عليهما (إِنَّ ذلِكَ) أي الصّبر أو جميع ما وقع الأمر به (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي ممّا عزم الله فيه أي قطعه قطع إيجاب وإلزام ، فيكون مصدرا بمعنى المفعول ، ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل من قولهم (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) (٣) أي جدّ.
__________________
(١) رواه عن العياشي في المجمع ج ٤ ص ٣١٦ ورواه عن المجمع في نور الثقلين ج ٤ ص ٢٠٤ بالرقم ٤٦ وروى قريبا من الحديث في أصول الكافي مع تفاوت ج ٢ باب الذنوب الحديث ١٠ وهو في المرآة ص ٢٤٤ وشرح ملا صالح المازندراني ج ٨ ص ٢٣٢ والوافي الجزء الثالث ص ١٦٨.
(٢) المجمع ج ٤ ص ٣١٦.
(٣) راجع آل عمران : ١٥٩.