قال في الكشاف : وناهيك بهذه الآية موذنة بقدم هذه الطّاعات ، وأنّها كانت مأمورا بها في سائر الأمم ، وأنّ الصّلوة لم تزل عظيمة الشأن سابقه العزم على ما سواها يوصى بها في الأديان كلّها.
(وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) لا تمله عنهم ، ولا تولّهم صفحة وجهك كما يفعله المتكبّرون من الصّعر وهو الصّيد داء يعتري البعير يلوى منه عنقه ، وفي الكشاف والمعنى أقبل على النّاس بوجهك تواضعا ولا تولّهم شقّ وجهك وصفحته كما يفعله المتكبّرون ، وفي مجمع البيان (١) ولا تمل وجهك عن النّاس تكبّرا أو لا تعرض عمّن يكلّمك استخفافا به ، ثمّ قال : وقيل هو أن يكون بينك وبين الإنسان شيء فإذا لقيته أعرضت عنه ، وقيل هو أن يسلّم عليك فتلوى عنقك تكبّرا ولا يبعد استفادة جميع ذلك من هذه اللّفظة.
(وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) بطرا أو خيلاء أي لا تمرح مرحا فانّ المشي كذلك هو المرح ، ويجوز أن يريد لا تمش لأجل المرح والأشر على أنّه مفعول له أي لا يكن غرضك في المشي البطالة والأشر كما يمشى كثير من الناس لذلك لا لكفاية مهمّ دينيّ أو دنيويّ ، ونحوه قوله تعالى (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ) (٢).
(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) أي متكبّر فخور على النّاس ، وهو علّة للنّهي السّابق ، والمختال الماشي مرحا لا لغرض دينيّ أو دنيويّ ، والفخور المصعّر خدّه ، بيّن هنا أنّ الله لا يحبّهما فيحبّ الاجتناب عن الاتّصاف بصفتهما ، ولعلّ تأخير الفخور مع أنّ المقابلة يستلزم تقديمه لتوافق رؤس الآي.
(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) واعدل فيه حتّى يكون مشيا بين مشيين : لا تدبّ دبيب المتماوتين الّذين لا حراك لهم ، ولا تثب وثب المسرعين في حركاتهم ، وفي الحديث عنه
__________________
(١) المجمع ج ٤ ص ٣١٦.
(٢) الأنفال : ٤٧.