ذلك داخل تحت الزجر والنهي ، فما كان اللفظ موضوعا له كان منهيّا عنه بحسب اللّفظ ، وما لم يكن اللّفظ موضوعا له كان داخلا بطريق الأولويّة.
(الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) بدل من الكلّ أو نصب على الذّم ، وإنّما وصفه تعالى بهذا الوصف لأنّه كالسّبب والعلّة في الهمز واللمز وهو إعجابه بما جمع من المال ظانّا أنّ الفضل فيه ، ولأجل ذلك ينتقص غيره ، ولعلّ التنكير في «مالا» للتنبيه على أنّ ماله بالنسبة إلى مال الدّنيا حقير قليل فكيف يفتخر به.
(يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) وصفه تعالى بضرب آخر من الجهل والمراد أنّ المال طوّل أمله حتّى أصبح لفرط تعلّقه وطول أمله يحسب أنّ ماله تركه خالدا في الدّنيا لا يموت (كَلَّا) حرف ردع أي ليس كما يظنّ أنّ المال أخلده ، وإنّما يخلده العلم والصّلاح ، ومنه قول عليّ عليهالسلام : مات خزّان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدّهر. أو أنّ «كلّا» بمعنى حقّا.
(لَيُنْبَذَنَّ) جواب القسم ، وذكره بلفظ النبذ الدالّ على الإهانة لما أنّه كان يعتقد أنّه من أهل الكرامة (فِي الْحُطَمَةِ) وهي الّتي يحطم من وقع فيها وهي اسم من أسماء النّار ، والدّركة الثانية من دركاتها ، وقيل هي يحطم العظام وتأكل اللّحوم حتّى يهجم على القلوب ، وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال (١) إنّ الملك ليأخذ الكافر فيكسره على صلبه ، كما توضع الخشبة على الرّكبة فتكسر ثمّ يرمى بها إلى النّار ، ولعلّ في ذكر جهنّم بهذا الاسم تنبيها على أنّ الهامز يكسر غيره ليضع قدره ، فيلقيه في الحضيض فيقول تعالى فالحطمة يكسرك ويلقيك في حضيض جهنّم ، لكنّ الهمز ليس يكسر على الحقيقة أما الحطمة فإنّها يكسر كسرا لا تبقى ولا تذر.
(وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) تهويل للأمر (نارُ اللهِ) في الإضافة تفخيم ، والمراد أنّها نار لا كسائر النّيران (الْمُوقَدَةُ) الّتي لا يخمد أبدا ، أو الموقدة بأمره أو بقدرته.
وفي الحديث (٢) أوقد عليها ألف سنة حتّى احمرّت ، وألف سنة حتّى ابيضّت
__________________
(١) أخرجه الإمام الرازي في تفسيره ج ٣٢ ص ٩٤.
(٢) أخرجه الإمام الرازي ج ٣٢ ص ٩٤ وأخرجه الخازن في تفسيره ج ٤ ص ٤٠٦ عن الترمذي عن أبي هريرة.