فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١).
(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ) أي تعطوها مستحقّها جهارا وإعلانا (فَنِعِمَّا هِيَ) فنعم شيئا إبداؤها ، فما نكرة موضعها النصب على التمييز للفاعل المضمر قبل الذكر ، أي نعم الشيء شيئا إبداء الصدقات ، وهو المخصوص بالمدح ، لكنّه حذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، والمراد أنّ دفع الصّدقة جهارا إلى مستحقّها فيه ثواب للدّافع لأنّ أصل التصدّق حسن ، وهذا فرد منه.
(وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ) أي تجمعوا بين الأمرين فتعطونها خفية وسرّا فيما بينكم وبين الفقير بحيث لا يطّلع على ذلك إلّا الله (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) أبلغ في الثواب من الابداء. وإن كان فيه ثواب أيضا (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) بعضها ، واختلف فيه فقيل هي الذّنوب الصغائر ، والّذي يذهب إليه أصحابنا أنّ الساقط أعمّ من ذلك ، والوجه فيه أنّ إسقاط العقاب تفضّل من الله تعالى عندنا فله أن يتفضّل بإسقاط بعضه دون بعض حتّى أنّه لو لم يدخل «من» في الكلام لاقتضى الكلام وعده بسقوط جميع العقاب مع فعل الطاعة.
وبالجملة إسقاط العقاب بفعل الطاعات تفضّل منه تعالى ، والحكم منّا بوجوب ذلك عليه نظرا إلى وعده ، وحيث إنّه هنا وعد بإسقاط بعض العقاب مع الإنفاق المذكور قلنا يجب ذلك الاسقاط بمقتضى وعده.
فلا يرد أنّ الإحباط والتكفير باطلان عند أصحابنا ، فلا يوافق قولهم ظاهر الآية لأنّ الحكم بالإسقاط هنا ليس للطاعة فقط ، كما هو قول من قال بالتكفير ، بل تفضّل منه تعالى ، وعلى هذا تحمل الآيات المشتملة على الإحباط والتكفير ، وهذه جملة نافعة.
(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من الإنفاق سرّا أو جهرا بل مطلق العمل حسنا أو قبيحا (خَبِيرٌ) فيجازيكم عليه بقدر الاستحقاق ، ويتفضّل على قدر ما يريد.
__________________
(١) البقرة ٢٧١.