النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أوّلا عن المنفق والمصرف ، ثمّ سأل عن كيفيّة الإنفاق.
(قُلِ الْعَفْوَ) هو نقيض الجهد ، ومنه يقال للأرض السهلة العفو ، وهو أن ينفق ما تيسّر له بذله ، ولا يبلغ منه الجهد واستفراغ الوسع ، قال الشاعر :
خذ العفو منّى تستديمي مودّتي
وقيل الوسط من غير إسراف ولا إقتار ، وهو المرويّ عن الصادق عليهالسلام (١) ، وقيل إنّه مأخوذ من الزيادة والفضل ، ومنه (حَتَّى عَفَوْا) (٢) أي زادوا على ما كانوا عليه من العدد ، والمراد به ما فضل عن قوت السنة ، وهو المرويّ عن الباقر (٣) عليهالسلام أيضا.
واختلف في هذا الإنفاق فقيل إنّه تطوّع ، ولو كان مفروضا لبيّن مقداره ولم يفوّض إلى رأي المتصدّق (٤) وقيل إنّه مفروض ، وإنّه كان قبل نزول آية الصدقات ، وكانوا مأمورين بأن يأخذوا من مكاسبهم ما يكفيهم في عامهم ، وينفقون ما فضل ، ثمّ نسخت بآية الزكاة ، ونقله في مجمع البيان (٥) عن السدّي ولا شكّ في بعد النسخ ، لأنّه خلاف الأصل والمنافاة غير ظاهرة إلّا بالتأويل ، وفيها دلالة على أنّ الإنفاق لا يكون بجميع ما عنده من المال ، بحيث يبلغ به الجهد ويصير كلّا على الناس.
ويؤيّده ما روى عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ رجلا أتاه ببيضة (٦) من ذهب أصابها في بعض المغازي فقال خذها منّي صدقة ، فأعرض عنه فأتاه من جانب آخر فقال له مثله فأعرض عنه ثمّ أتاه من جانب آخر فأعرض عنه ثمّ قال هاتها مغضبا فأخذها وحذفه بها حذفا
__________________
(١) انظر البرهان ج ١ ص ٢١٢ والمجمع ج ١ ص ٣١٦ والكافي ج ١ ص ١٨٧ باب فضل القصد الحديث ٣.
(٢) الأعراف : ٩٥.
(٣) المجمع ج ١ ص ٣١٦ والبرهان ج ١ ص ٢١٢ ونور الثقلين ج ١ ص ١٧٥.
(٤) المتكلم خ.
(٥) المجمع ج ١ ص ٣١٦.
(٦) نسخة القاضي : بصدقة ، ببيضة خ ل.