أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) (١) وما تقدّم من قوله (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) (٢) الآية وما روى عنهم عليهمالسلام (٣) أفضل الصدقة جهد من مقلّ إلى فقير في السرّ ، وروى سماعة عنه عليهالسلام (٤) قال : سألته عن الرجل ليس عنده إلّا قوت يوم أيعطى من عنده قوت يومه على من ليس عنده شيء ويعطف من عنده قوت شهر على من دونه والسنة على نحو ذلك أم ذلك كلّه على الكفاف الّذي لا يلام عليه؟ فقال هو أمران أفضلكم فيه أحرسكم على الرغبة والأثرة على نفسه فإنّ الله عزوجل يقول (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) والأمر الآخر لا يلام على الكفاف ، الحديث ونحوه.
لأنا نقول : قد مرّ أنّ مثل هذه المرغّبات في إنفاق الجميع محمولة على ما إذا كان المنفق ذا وثوق بحسن التوكّل على الله ، والصبر على الضرّاء والسرّاء كالنفوس القدسيّة أو من يحذو حذوها ، فإنّها لها اعتماد على الله تعالى أزيد ممّا عندهم أضعافا بل ذاك في معرض التلف ، بخلاف وثوقهم به تعالى ، فهم المراد بتلك الآيات ونحوها وما دلّ على المنع محمول على ما إذا لم يكن له توكّل إلى هذا الحدّ فإنّه يكره له التصدّق بجميع ماله إذ يصير كلّا على الناس وهو منهيّ عنه.
ويمكن الجمع بينهما بوجه آخر وهو أن يكون الرجل وحده لا عيال له أو كان له كسب وله وثوق في كسبه بقدر كفايته ، إذ لا شكّ أنّ الصدقة والإيثار على نفسه أمر مطلوب له ، ويحمل ما دلّ على المنع على ما إذا كان ذا عيال ليس له كسب يثق به فإنّ إيثار السائل بما عنده على ذلك التقدير إيثار على عياله ، وحرمانهم ، ولا يكون
__________________
(١) الحشر : ٩.
(٢) البقرة : ٢٧١.
(٣) مر في ص ٤٥ وقريب منه ما في كنز العمال ج ٤ ص ٢١٩ الرقم ١٦٧٠ عن الطبراني في الكبير عن أبي أمامة.
(٤) الكافي ج ١ ص ١٦٦ باب الإيثار الحديث ١ وهو في المرآة ج ٣ ص ٣٠٤ وذيل الحديث «واليد العليا خير من اليد السفلى وابدء بمن تعول».