إليك ألم أعنك؟ والأذى ضرر يتعجّل وصوله إلى المضرور كأن يقول له : لست إلّا مبرما ، وما أنت إلّا ثقيل ، وباعد الله بيني وبينك ، أو يراد به تعبيس الوجه وانقباضه حال الدفع ، أو يصرفه في بعض إشغاله بسبب إنفاقه عليه. وجميع أصناف المنّ والأذى يكدّر الصنيعة ، وينقص النعمة ويبطل الأجر والمثوبة. وفي الحديث عن الصادق عليهالسلام أنّ المنّ يهدم الصنيعة (١) ومعنى (ثُمَّ) تراخى الرتبة وإظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المنّ والأذى ، وأنّ تركهما خير من نفس الإنفاق ، بل ترك كلّ منهما لأنّهما نكرتان في سياق النفي.
(لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) لعلّ التصريح بكونه عند ربّهم مع أنّه معلوم أنّه كذلك ، لتكون النفس أسكن إليه وأوثق به ، لأنّ ما عنده لا يخاف عليه فوت ، وذلك ادعى للإنفاق على الوجه المذكور (٢).
(وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) كلّ من هاتين الجملتين خبر عن «الّذين» عطف إحداهما على الأخرى ، ولعلّ عدم إدخال الفاء في الخبر مع تضمّن المبتدإ معنى
__________________
ـ عليهم وهو ذكر ما ينقص المعروف كقول القائل : أحسنت إلى فلان ونعشته ، أو لم أحسن إليك؟
ألم أعطك؟ وانما كان المن مذموما لان الفقير الأخذ للصدقة منكسر القلب لأجل حاجته إلى صدقة الغير معترف باليد العليا للمعطى ، فإذا أضاف المعطى الى ذلك إظهار الانعام عليه ، زاد ذلك في انكسار قلبه فيكون في حكم المضرة بعد المنفعة والإساءة بعد الإحسان والأذى ضرر يتعجل إلخ.
(١) انظر الكافي باب المن الحديث ٢ ، واللفظ : المن يهدم الصنيعة وكذا في الفقيه ج ٢ ص ٤١ الرقم ١٨٦ ومن أشعار الشهيد الأول طاب ثراه :
وأعشق كحلاء المدامع خلقة |
|
لئلاأرى في عينها منة الكحل. |
نقله في ريحانة الأدب ج ٢ ص ٣٦٦.
(٢) زاد في سن : وهو صريح في أن العمل يوجب الأجر على الله كما هو قول العدلية ، وأجاب الأشاعرة بأن الأجر هنا حصل بسبب الوعد لا بالعمل ، فإنه واجب ، وأداء الواجب لا يوجب الأجر ، وفيه نظر.