لكونها مصبّ المياه قلّما يحسن ريعها ، فإذن البستان لا يصلح له إلّا الأرض المستوية وهي ما ذكرناها ، والرّبوة مثلّثة الراء وقرئ بتثليثها.
(أَصابَها وابِلٌ) مطر عظيم القطر (فَآتَتْ أُكُلَها) أي جاءت ثمرتها (ضِعْفَيْنِ) مثلي ما كانت تثمر بسبب المطر العظيم ، فالمراد بالضعف المثل كما أريد بالزوج الواحد في قوله تعالى (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) (١) ويحتمل أن يكون المراد أربعة أمثاله ، ونصب على الحال أي مضاعفا.
(فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ) أي فيصيبها ، أو فالّذي يصيبها طلّ أو فطلّ يكفيها لحسن منبتها وبرودة هوائها وارتفاع مكانها ، والطلّ المطر الصغير القطر.
والمعنى أنّ نفقات هؤلاء زاكية عند الله ، لا تضيع بحال ، نعم تتفاوت باعتبار ما ينضمّ إليها من الأحوال كالكثرة والقلّة باعتبار الأمور العارضة للإنفاق أو المنفق على ما تقدّم ، ويجوز أن يكون المراد تمثيل حالهم عند الله بالجنّة على الربوة ونفقاتهم الكثيرة والقليلة بالوابل والطلّ ، فكما أنّ كلّ واحد من المطرين يضعف أكل الجنّة وثمرتها ، فكذلك نفقاتهم المقصودة بها وجه الله كثيرة كانت أو قليلة تزيد في زلفاهم عنده.
(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فيه تحذير عن الرئاء والمنّ والأذى ، وترغيب في الإخلاص.
ثمّ إنّه تعالى بيّن حال من يفعل الأفعال الحسنة ولا يريد بها وجه الله تعالى ولا ابتغاء مرضاته بقوله (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) الهمزة فيه للإنكار البالغ أي لن يودّ (أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي تشتمل على النخيل والأعناب والأنهار الجارية (لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) جعل الجنّة أوّلا من النخيل والأعناب مع أنّها مشتملة على سائر الأشجار كما دلّ عليه قوله هذا ، تغليبا لهما لشرفهما وزيادة منافعهما ثمّ أردفهما بذكر كلّ الثمرات ، ليدلّ على احتوائها على سائر الأشجار ، فهو تعميم
__________________
(١) هود : ٤٠.