فاعترضت الملائكة لنشأة آدم من الطبيعة ، لما تحمله الصورة من الأضداد ، ولا سيما وقد جعل آدم من العناصر ، فلم تشاهد الملائكة الأسماء الإلهية التي هي أحكام هذه الصورة ، وهي كون الحق سمعه وبصره وجميع قواه ، فلو شهدت ذلك ما اعترضت ، ولكنها اعترضت لما رأوا من تقابل طبائعه في نشأته ، فعلموا أن العجلة تسرع إليه ، وأن تقابل ما تركب منه جسده ينتج عنه نزاعا فيؤثر فسادا في الأرض وسفك دماء ، فقالت ما قالت ، من غير تعرض لمواقع الأحكام المشروعة ، وكذلك وقع مثل ما قالوه فإنهم رأوا الحق سبحانه يقول : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) وقال : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) فكرهوا ما كره الله ، وأحبوا ما أحب الله ، وجرى حكم الله في الخلق بما قدره العزيز العليم ، فما ظهر من عالم التركيب من الشرور فمن طبيعته التي ذكرتها الملائكة ، فإن الغالب على عالم الأرض سلطان الهوى ، وهو يورث الفساد ، فعلمت الملائكة ما يقع لعلمهم بالحقائق ، لأن المولد من الأضداد المتنافرة لا بد فيه من المنازعة ، ولا سيما المولد من الأركان ، وكذا وقع الأمر ، وإنما وقع الغلط عندهم في استعجالهم بهذا القول ، من قبل أن يعلموا حكمة الله في هذا الفعل ما هي ، وحملهم على ذلك الغيرة التي فطروا عليها في جناب الله. فما ذكرت الملائكة إلا مساوينا وما تعرضت للحسن من ذلك ، إلا لأن الملأ الأعلى تغلب عليه الغيرة على جناب الله أن يهتضم ، وعلمت من هذه النشأة العنصرية أنها لا بد أن تخالف ربها لما هي عليه من حقيقتها ، وذلك عندها بالذوق من ذاتها فإنها مخلوقة من عالم الطبيعة ، وإنما هي في نشأتنا أظهر ، فإن اعتراض الملائكة من حيث طبيعتهم وغيرتهم على الجناب الإلهي ، فبالذي وقع من الإنسان من الفساد وغيره مما يقتضيه عالم الطبع ، به بعينه وقع اعتراض الملائكة ، فرأوه في غيرهم ولم يروه في نفوسهم ، فإن الملائكة غلب عليها الطبع ، ولم ترد الخير إلا لنفسها ، وما وافقت الحق فيما أراد أن يظهره في الكون ، من جعل آدم خليفة في الأرض ، فعرفهم بذلك ، فلم يوافقوه ، لحكم الطبع في الطمع في أعلى المراتب ، وقامت لهم صورة الغيرة على جناب الحق ، والإيثار لعظمته ، وذهلوا عن تعظيمه ، إذ لو وقفوا مع ما ينبغي له من العظمة لوافقوه ؛ وما وافقوه ، وإن كانوا قصدوا الخير ، فقالوا : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ
____________________________________
الأسماء؟ فقالوا (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) فرجعوا إلى العجز وطلب العلم ، ولهذا