حين علم جميع الأسماء بالوضع الإلهي لا بالاصطلاح ، وفي ذلك تكون الفضيلة والاختصاص ، فإن لله أسماء أوجد بها الملائكة وجميع العالم ، ولله أسماء أوجد بها جامع حقائق الحضرة الإلهية وهو الإنسان الكامل ، ظهر ذلك بالنص في آدم ، وخفي في غيره فقال تعالى للملائكة في فضل آدم وفي فضل هذا المقام وقد أحضر الملائكة المسميات أعني أعيانهم : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي بالأسماء الإلهية التي صدروا عنها ، فلم يعلموا ذلك فقال الله : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) أي بأسماء هؤلاء الذين عرضناهم عليهم ، وهي الأسماء الإلهية التي أوجدتهم واستندوا إليها في إيجاد أعيانهم ، لا أسماء الاصطلاح الوضعي الكوني فإنه لا فائدة فيه ، فأنبأ آدم الملائكة بأسماء تلك التجليات فكان هؤلاء المسمون المعروضة على الملائكة تجليات إلهية في صورة ما في آدم من الحقائق ، وجعل الله تعالى آدم أستاذا للملائكة فعلمهم الأسماء كلها ، فلما علمهم آدم عليهالسلام وهو قوله تعالى : (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) قالَ أي قال لهم الله (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ) وهو ما علا من علم الغيوب (وَالْأَرْضِ) وهو ما في الطبيعة من الأسرار (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) أي ما هو من الأمور ظاهر (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) أي ما تخفونه على أنه باطن مستور. واعلم أنه مع أنه ليس فوق مرتبة الإنسان مرتبة إلا مرتبة الملك في المخلوقات ، وقد تلمذت الملائكة له حين علمهم الأسماء ، فلا يدل هذا على أنه خير من الملك ، ولكنه يدل على أنه أكمل نشأة من الملك
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٣٤)
ثم قال تعالى للملائكة بعد التعليم : (اسْجُدُوا لِآدَمَ) سجود المتعلمين للمعلم من أجل
____________________________________
يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ) يقول أعلمهم (بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ) أعلمهم بأسمائهم (قالَ) الله للملائكة (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لكلام قد تقدم له سبحانه مع ملائكته لم يذكره لنا ، ثم قال (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) يقول ما تظهرون (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) يقول ما هو