ما علمهم ، فلآدم هنا لام العلة والسبب أي من أجل آدم ، فالسجود لله من أجل آدم سجود شكر لما علمهم الله من العلم به ، وبما خلقه في آدم عليهالسلام ، فعلموا ما لم يكونوا يعلمون فأمر الله سبحانه للملائكة بالسجود لمعلمهم سجود أمر ـ كسجود الناس إلى الكعبة ـ وتشريف ، لا سجود عبادة ، نعوذ بالله فيكون في هذا العالم الإنساني ثمرة السجود ، لا نفس السجود ، وإنما هو التواضع والخضوع والإقرار بالسبق والفخر والشرف والتقدم له ، كتواضع التلميذ لمعلمه. فنال آدم عليهالسلام التقدمة عليهم بكونه علمهم ، فهو أستاذهم في هذه المسألة ، وبعده فما ظهرت هذه الحقيقة في أحد من البشر إلا في محمد صلىاللهعليهوسلم ، فقال عن نفسه : إنه أوتي جوامع الكلم ، وهو قوله تعالى في حق آدم عليهالسلام (الْأَسْماءَ كُلَّها) وكلها بمنزلة الجوامع ، والكلم بمنزلة الأسماء ، فنال التقدمة بها وبالصورة التي خلقه الله عليها ، عند ذلك علمت الملائكة أن آدم عليهالسلام خليفة الله في أرضه ، لا خليفة عن سلف ، ثم ما زال يتلقاها كامل عن كامل حتى انتهت إلى السيد الأكبر المشهود له بالكمال محمد صلىاللهعليهوسلم الذي عرف بنبوته وآدم بين الماء والطين ، وأوتي صلىاللهعليهوسلم جوامع الكلم ، كما أوتي آدم جميع الأسماء ، ثم علمه الله الأسماء التي علمها آدم ، فعلم علم الأولين والآخرين ، فكان محمد صلىاللهعليهوسلم أعظم خليفة وأكبر إمام. (فَسَجَدُوا) ولم يزل حكم السجود فيهم لآدم وللكامل من أبنائه أبدا دائما ، فإن الملأ الأعلى عنده ازدحام لرؤية الإنسان
____________________________________
مكتوم فيكم مما لا تعلمونه أنتم ، وما هو مكتوم عندكم بعضكم من بعض ، وهو قوله (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) فالسر ما بين العبد والحق ، والأخفى ما يعلمه سبحانه من العبد ولا يعلمه العبد من نفسه أنه يكون فيه ، ثم أعلم سبحانه نبيه فقال أيضا (٣٥) (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) الآية ، تقدم قبل هذا أن ضمير الجماعة في جانب الحق يعود على الأسماء من جهة ما تطلبه الحقائق في تلك القصة ، فقد أنعم على آدم بأشياء متعددة ، بإيجاد عينه ، وبما علّمه من العلم ، مع أنه لا يقوى في تصفية نشأته تصفية الملائكة ، فإنهم مخلوقون من نور ، وآدم مخلوق من حمأ مسنون ومن صلصال ، ثم نفخ فيه روحا ملكيا في مثل هذه النشأة الترابية ، وخلقها بيديه ، وهذه كلها أسباب أسماء مختلفة النسب ، فكل اسم له نسبة أثر في آدم ، له أن يقول أنا ، فإذا اجتمعت الأسماء صدق القائل أن يقول (قُلْنا) فقال (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) فأحدث لهم حرمة بالسجود لله سبحانه من أجل خلق آدم ، وما أنعم به عليه ، حيث أبدى لهم في وجوده من العلم