الرسالة ، فكأنه تعالى يقول : (إِلَّا إِبْلِيسَ) إلا من أبعده الله من المأمورين بالسجود (أَبى وَاسْتَكْبَرَ) وقال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) ثم قال تعالى : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) فطمع إبليس في الرحمة التي وسعت كل شيء ، وطمعه فيها من عين المنة لإطلاقها ، لأنه علم في نفسه أنه موحد ، وسماه الله كافرا فقال : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) ولم يقل من المشركين لأنه يخاف الله رب العالمين ويعلم أن الله واحد ، وقد علم مآل الموحدين إلى أين يصير ، سواء كان توحيدا عن إيمان أو عن نظر من غير إيمان ، وعلم أن جهنم لا تقبل خلود أهل التوحيد وإنما سماه الله كافرا لأنه يستر عن العباد طرق سعادتهم التي جاء بها الشرع في حق كل إنسان.
(وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (٣٥)
سمي آدم بآدم لحكم ظاهره عليه فإنه ما عرف منه سوى ظاهره ، فلا يعرف مخلوق من الإنسان سوى ظاهره ، وأما باطنه فمجهول. ومن هذه الآيات نعلم أن أول أمر ظهر في العالم الطبيعي هو قول الله تعالى لإبليس : اسجد لآدم ، فظهر الأمر فيه ، وأول نهي قوله تعالى لآدم وحواء : (لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) فظهر النهي فيهما ، وقوله تعالى : (هذِهِ
____________________________________
ومشاركته لهم فيها ، جعله استثناء متصلا ، ودل على أنه كان مأمورا بالسجود قوله تعالى (أَبى) ولا يقع الامتناع إلا بعد توجه تكليف ، وقد يجوز أن يكون السجود سجود تحية ، كسجود أبوي يوسف وإخوته له ، والأول أوجه ، يعضد ما قلناه الحديث الصحيح ، قال عليهالسلام : لو أذن لأحد أن يسجد لأحد ، لأذنت للمرأة أن تسجد لزوجها ، وأما سجود التحية فغير منكور فيمن تقدم ، وهو من فعل الأعاجم ، وهو هذا الانحناء الذي يكون منهم عند التقاء بعضهم بعضا ، وكون السجود مكروها لغير الله أو محرما هو أمر مشروع ليس لذاته بخلاف العبودية فإنه ممتنع بذاته أن يكون عبدا لغير الله حقيقة (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) هنا أي من الفاسقين الخارجين عن أمر الله بدليل قوله (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) فسماه كافرا ، ثم قال (٣٦) (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ) الآية ، قال يا آدم اسكن (أَنْتَ وَزَوْجُكَ) يعني حواء ، (الْجَنَّةَ) أي اتخذها مسكنا