سوى ما فهموا عنه فيه ، فكل من فهم من الآية وجها فذلك الوجه هو مقصود بهذه الآية في حق هذا الواجد له ، وليس يوجد هذا في غير كلام الله وإن احتمله اللفظ ، فإنه قد لا يكون مقصودا للمتكلم به ، لعلمنا بقصور علمه عن الإحاطة بما في تلك اللفظة من الوجوه ، ولهذا كان كل مفسر فسر القرآن ولم يخرج عما يحتمله اللفظ فهو مفسر ، ومن فسره برأيه فقد كفر ، كذا ورد في حديث الترمذي ، ولا يكون برأيه إلا حتى يكون ذلك الوجه لا يعلمه أهل ذلك اللسان في تلك اللفظة ولا اصطلحوا على وضعها بإزائه ، فالقرآن هو البحر الذي لا ساحل له ، إذ كان المنسوب إليه يقصد به جميع ما يطلبه الكلام من المعاني ، بخلاف كلام المخلوقين ، فكلام الله إذا نزل بلسان قوم فاختلف أهل ذلك اللسان في الفهم عن الله ما أراده بتلك الكلمة أو الكلمات مع اختلاف مدلولاتها ، فكل واحد منهم وإن اختلفوا فقد فهم عن الله ما أراده ، فإنه عالم بجميع الوجوه تعالى ، وما من وجه إلا وهو مقصود لله تعالى بالنسبة إلى هذا الشخص المعين ، ما لم يخرج من اللسان ، فإن خرج من اللسان ، فلا فهم ولا علم ، وكل وجه تحتمله كل آية من كلام الله من فرقان وتوراة وزبور وإنجيل وصحيفة عند كل عارف بذلك اللسان ، فإنه مقصود لله تعالى في حق ذلك المتأول ، لعلمه الإحاطي سبحانه بجميع الوجوه ، فلا سبيل إلى تخطئة عالم في تأويل يحتمله اللفظ ، فإن مخطئه في غاية القصور في العلم ، ولكن لا يلزمه القول به ولا العمل بذلك التأويل ، إلا في حق ذلك المتأول خاصة ومن قلده.
وإذا وردت الآية أو الخبر بلفظ ما من اللسان ، فالأصل أن يؤخذ بما هو عليه في لغة العرب فإن أطلقه الشارع على غير المفهوم من اللسان ، كاسم الصلاة واسم الوضوء واسم الحج واسم الزكاة ، صار الأصل ما فسره به الشارع ، ولم يحمل عليه ما هو عليه في اللسان حتى يرد من الرسول في ذلك اللفظ أنه لما هو عليه من اللسان ، فيعدل عند ذلك إليه في ذلك الخبر على التعيين ، فإن الشارع إذا عيّن ما أراده باللفظ ، صار ذلك الوصف بذلك اللفظ أصلا ، فمتى ورد اللفظ به من الشارع فإنه يحمل على المفهوم منه في الشرع حتى
____________________________________
اختص بها كتابنا ، فالحمد لله الذي جعلنا من حامليه ومن أهله ومن خوطب به ، وشرفنا باتباع من أنزل عليه صلىاللهعليهوسلم ، وسميت هذا الكتاب «إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن» فلله الشكر حق الشكر الذي ينبغي له برؤية ذلك منه ، وله الحمد في الآخرة والأولى ، وبه أتأيد وأستعين.