ولا في المستقبل ، ولهذا أتى سبحانه بفعل الحال في قوله : (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) فإن هذا الفعل يرفع الحزن في الحال والاستقبال ، بخلاف الفعل الماضي والمخلص للاستقبال بالسين أو سوف.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (٣٩) يا بَني إِسرائيلَ اذكُروا نِعمَتِيَ الَّتي أَنعَمتُ عَلَيكُم وَأَوفوا بِعَهدي أوفِ بِعَهدِكُم وَإِيّايَ فَارهَبونِ) (٤٠)
____________________________________
تَبِعَ هُدايَ) فالفاء جواب الشرط الأول ، وقوله (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) فالفاء جواب الشرط الثاني الذي هو من ، فمعنى الكلام اهبطوا فإن جاءكم مني هدى واتبعتموه فلا خوف عليكم ، والفاء في إما جواب الأمر ، وجاء بلفظة الشك مع تحقق إتيان الهدى عند الله ، لكن في نفس الأمر هو من الممكنات ، فيستوي بالنظر إليه الطرفان ، وجود الإتيان وعدمه ، وتارة يرد الخطاب بما هو الكائن في علم الله ، وتارة يرد الخطاب بما هو الأمر عليه في نفسه ، فيؤذن بأن ذلك الإتيان ليس بواجب على الله ، إذ لا يجب عليه شيء ، كما يقوله مخالفو أهل الحق ، مع أنّا لا ننكر أن يوجب على نفسه ، فمن جملة الهدى الذي جاء من عند الله تلقي الكلمات ، ولذلك الهبوط الثاني هو الهبوط الأول عينه ، ثم قال (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) أي من اتبع ما شرعت له على حد ما شرعت له ، ارتفع عنه خوف العذاب ولم يحزن (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ولم يذكر الجنة ولا الخلود كما ذكر فيمن كفر وكذب بآياته ، لأن أهل السعادة على قسمين ، قسم يعملون لما يقتضيه حق الربوبية وهم الأعلون ، وقسم يعملون لأجل الجنة وهم دونهم ، ولهؤلاء خوف الحجاب ، ولهؤلاء خوف فقد النعيم وحزنه فذكر ارتفاع الخوف والحزن لكونه يعم الطائفتين ولم يذكر الجنة ، لئلا ييأس الأعلون من الطائفتين ، فتهمم الحقق بهم إذ كانوا الطبقة العليا ، والهدى هنا ما بينه لهم في التعريف المنزل المشروع لهم ، ثم قال (٤٠) (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) أي ستروا ، على ما تقدم في أول السورة في قوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) وقوله (وَكَذَّبُوا) يريد المعاندين وغير المعاندين (بِآياتِنا) أي بالعلامات التي جعلناها ونصبناها أدلة على القربة إلينا ومعرفتنا (وفي كل شيء له آية : تدل على أنه واحد) غير أن الآيات على قسمين : معتادة وغير معتادة ، فأرباب الفكر والمستبصرون