(وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) أوفوا بما عاهدتكم عليه في الدنيا في موطن التكليف (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) في الدارين معا ، دنيا وآخرة وأدخلكم الجنة ، وهو حق عرضي لا ذاتي ، لأنه حق على الله أوجبه على نفسه لمن وفى بعهده ، ومن لم يف فليس له عند الله عهد ، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة ، وأدخلنا تحت العهد إعلاما بأنا جحدنا عبوديتنا له ، إذ لو كنا عبيدا
____________________________________
الموفقون هي عندهم سواء ، يتخذونها أدلة ، وما عدا هؤلاء فلا ينظرون إلا في الآيات غير المعتادة ، فيحصل لهم استشعار الخوف ، فيردهم ذلك القدر إلى الله ، قال تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) ثم إن الذين يتخذون غير المعتادة آية ، منهم من يخلصها دليلا على الله ، ومنهم من يشرك (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) لمعرفتهم بالأسباب المولدة لتلك الآيات ، كالزلازل والكسوفات وما يحدث من الآثار العلوية ، والله ينور أبصارنا ويرزقنا التوفيق ، قال تعالى (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) باقون ، وقوله (أَصْحابُ النَّارِ) أي أهلها ، كما ورد في الصحيح (أما أهل النار الذين هم أهلها ، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون) وقال في الذين يخرجون منها (ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم ، أو قال بخطاياهم ، فأماتهم الله فيها إماتة) ثم ذكر خروجهم من النار ـ الحديث بكماله ـ فعمّ سبحانه بقوله (الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا) جميع الأشقياء ، وأما قوله (اهْبِطُوا) فحظي إبليس من هذا الهبوط لما تكبر وعلا عند نفسه ، لأن أصله من لهب النار ، ولهب النار يطلب العلو ، فلهذا تكبر ، ولما كان لهبا كان إذا جاءه الهواء من أعلاه عكس رأس اللهب إلى أسفل قسرا وقهرا ، كذلك إبليس لما جاءه هواه من تكبره على آدم لنشأته ، عكسه إلى الأرض ، فأهبط ، ولم يقف الأمر هنا ، بل أهبط إلى أسفل سافلين في دار الخزي والهوان ، فهواه أهبطه ، ولما كانت الملائكة نورا عمت جميع الجهات فلا أثر للهواء في النور ، ألا ترى النور الذي في الشمس والسراج وفي كل جسم مستنير نسبته إلى العلو والسفل والجنبات نسبة واحدة ، والملائكة مخلوقون من النور ، فلا أثر للهوى فيهم ، فلا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، ولما غلب على آدم في نشأته التراب وله السكون ، بخلاف لهب النار ، ثبت على عبوديته وتواضعه ، فسعد ، وكان هبوطه رجوعا إلى أصله ، وسيأتي الكلام على نشأته في موضعها إن شاء الله ، وكونه من حمأ مسنون ، ولهذا يتغير كل ما يحل فيه من الأطعمة والأشربة ويستحيل إلى الروايح القبيحة ، ويندرج في هذا الكلام النشأة الأخراوية ، واستحالة ما يحل فيها من الطعام والشراب إلى الروايح الطيبة ، وتحقيق ذلك في موضعه إن شاء الله ، قوله (٤١) (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) الآية ، أضافهم إلى يعقوب ، فهو إسرائيل ، أي صفوة الله (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) وقد ذكر الله ما أنعم الله به على بني إسرائيل ، من