(ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٥٧)
يعني يظلمون أنفسهم بما كانوا عليه في سابق العلم.
____________________________________
فرعون) الذين تولوا عذابهم (أَشَدِّ الْعَذابِ) في مقابلة سوء ، وقرئ بكسر الخاء ، فقد يمكن أن يقال لبني إسرائيل يوم القيامة ذلك ليولوهم أشد العذاب بأنفسهم ، كما فعلوا هم بهم في الدنيا حين ساموهم سوء العذاب ، وآل الرجل أهله وخوله وأنصاره وأتباعه ، سمعت شيخنا الإمام أوحد زمانه في معرفة كلام العرب ، أبا ذر مصعب بن محمد بن مسعود الخطيب يقول : الآل لا يضاف إلا للأكابر الزعماء ، وأما من دونهم فيقال أهل فلان ، وقوله (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ) يقول يولونكم ما يسؤكم من (الْعَذابِ) فمن ذالكم قتل أولادهم ذبحا ، وجعل إبقاء النساء عذابا لهم ، مع أن إبقاءهم ينبغي أن يكون من فرعون نعمة عليهم ، وذلك أن الرجل في الغالب يسرع إليه ذهاب الحزن منه بخلاف النساء ، فأبقى النساء حتى يتجدد على الآباء العذاب بما يجدونه من الحزن لحزن نسائهم وبكائهم على أولادهم دائما ، وشغلهم بذلك عن مصالح أزواجهم ، فيتجدد العذاب عليهم ، هذا يسوغ في إبقاء الأمهات ، وأما إبقاء الإناث فيزيد بذلك من قتل ولده حسرة إلى حسرته ، وحزنا إلى حزنه ، قال تعالى (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) قال تعالى (وَفِي ذلِكُمْ) خطاب لنا (بَلاءٌ) أي ابتلاء (مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) ، نشكر أو نكفر ، كما قال سليمان عليهالسلام (لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) فكل عذاب في الدنيا يكون بلاء إذ كانت دار اختبار (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) وأما في الدار الآخرة فلا يقال له بلاء وإنما هو عذاب خالص. ولهذا ما أظن والله أعلم أن الله ذكر عذاب الآخرة بلفظ البلاء ، على أني ما بحثت على ذلك ، لما لم تكن دار تكليف ، وكان سبب قتل الأبناء أنه رأى ورئي له أن مولودا من بني إسرائيل يولد في دولته يكون هلاكه وهلاك أتباعه على يديه ، ثم من نعمة الله على بني إسرائيل قوله (٥١) (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) الآية ، وهذا يؤيد ما ذكرناه أنه سبحانه يحكي ما خاطبهم به في زمانهم من تقرير النعم عليهم ، فمن ذلك (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ) أي بسببكم (الْبَحْرَ) لتنجوا من عدوكم ، فزال البحر بعضه عن بعض وافترق ، فظهرت الأرض وسكن البحر عن جريته (فَأَنْجَيْناكُمْ) بما أهلكنا به