عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فأراد الآيات التي ظهرت على أيدي الأنبياء عليهمالسلام لصدق دعواهم في أنهم رسل الله ، فمنها ما تركها آية إلى يوم القيامة كالقرآن ، ومنها ما رفعها ولم تظهر إلى يوم القيامة ، واعلم أن آيات الأنبياء تختلف باختلاف الأعصار لاختلاف الزمان واختلاف الأحوال ، فيعطي هذا الحال والزمان ما لا يعطيه الزمان والحال الذي كان قبله ، والذي يكون بعده ، فآية كل خليفة ورسول من نسب الغالب على ذلك الزمان وأحوال علمائه ، أي شيء كان ، من طب أو سحر أو فصاحة وما شاكل هذا ، والرسل أوجب الله عليهم إظهار الآيات لكونهم مأمورين بالدعاء إلى الله ابتداء ، وهو ينشىء التشريع وينسخ بعض شرع مقرر على يد غيره من الرسل ، فلا بد من إظهار آية وعلامة تكون دليلا على صدقه أنه يخبر عن الله إزالة ما قرره الله حكما على لسان رسول آخر ، إعلاما بانتهاء مدة الحكم في تلك المسألة.
(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (١٠٧)
الأولياء هم الذين تولاهم الله بنصرته على الأعداء الأربعة : الهوى والنفس والدنيا والشيطان.
____________________________________
مِثْلِها) أي بآية مثلها في القوة في الدلالة من الظهور وغيره ، فتكون هذه الأخرى مقوية للأولى ، فإن الأدلة إذا توالت وإن خفيت يقوي بعضها بعضا ، فما من رسول أتى بآية إلا وقوى بها آية الرسول الأول ، والآيات التي هي دلالات على صدق الرسل هي التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى على وجهين من الإعجاز : الوجه الأول ، أن يأتي بآية يعجز البشر عن الإتيان بها أو مثلها ، والوجه الآخر ، الصرف وهو أن تكون تلك الآية في مقدور البشر ويتحدى الآتي بها أنه لا يقدر أحد أن يأتي بها فيصرفوا عنها ، وعلى كلتا الحالتين يثبت كونها آية ويعلم أن الله على كل شيء قدير ، فيأتي ختم الآية بالمدح بالقدرة في موضعه ، ولا يكون هذا على ما ذهب إليه من تقدمنا من المترجمين ، وما رأيت من تنبه لهذا مع وضوحه وبيانه ، إلا أن يكون ولم يصل إلينا علمه ، فهذا لا يمنع ، فإني ما أحطت بأقوال الناس في ذلك ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ، والحمد لله على نعمه التي لا تحصى ، وأما ترجمتي على مسئلة هاروت وماروت فعلمتها في النوم في رؤيا رأيتها ، فوقفت عندها ، وجاءت الترجمة عن الكلام مطابقة له ، ثم قال تعالى مؤيدا لما ذهبنا إليه في هذا (١٠٨) (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) والآيات ليست بخارجة عنهما