(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١١٠)
تضاف الصلاة إلى البشر بمعنى الرحمة والدعاء والأفعال المعلومة شرعا ، فجمع البشر هذه المراتب الثلاث المسماة صلاة.
____________________________________
بِالْإِيمانِ) وهو قوله : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) وقد شرحناه قبل (فَقَدْ ضَلَّ) يقول : فقد حاد عن (سَواءَ السَّبِيلِ) أي عدل والتفت عن الطريق المستقيم الموصل إلى السعادة ، وهو قوله فيما ندعوه به (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (١١٠) (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً) يقول : يتمنى اليهود أن تصغوا إليهم فيما يلقونه إليكم من الكفر في معرض النصيحة «ليردوكم» أي ليرجعوكم (مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ) بمحمد صلىاللهعليهوسلم (كُفَّاراً) به مثلهم (حَسَداً) أي يفعلوا ذلك حسدا لعلمهم بأنكم على الحق وأنكم تسعدون بذلك ، وقوله : (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) يقول : إن الذي جاؤوا به لم يكن من كتابهم ، فما قالوه إلا من عندهم ، لأنه قال : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) الذي أنتم عليه ، وقوله : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) دليل على تقدم ذنب ظهر للمؤمنين منهم ، إذ التمني من عمل القلب فيكون الذنب الذي أمر المؤمنون بأن لا يؤاخذوهم عليه ، هو ما روي أنهم اجتمعوا بطائفة من الصحابة بعد وقعة أحد وقالوا لهم : [لو كنتم على الحق ما نصر عليكم عدوكم من المشركين ، فارجعوا إلى ما نحن عليه واتركوا ما جاءكم بهم محمد] صلىاللهعليهوسلم فأبت الصحابة ، وقالوا : [رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا] وأرادوا مجازاتهم ، فأنزل الله (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) يحتمل وجهين : الواحد ، يوم القيامة قال تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ) والوجه الآخر ، ما أمروا به بعد ذلك من قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي أنه القدير على مجازاتهم على ذلك ، ولكن أمهلهم إلى وقت يحكم الله فيهم لئلا تشترك الصحابة في مجازاتهم من غير أمر الله ، بل من عند أنفسهم ، كما فعلوا هم بما قالوه من عند أنفسهم لا من كتابهم ، فنزه الله أولياءه المؤمنين عن أن يشاركوهم في هذا القدر ، وليقتدوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم في قوله : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) ثم أتبع ذلك بقوله لهم : (١١١) (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) يقول لهم : واشتغلوا بما كلفتموه من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وقد تقدم شرحهما ، ثم أخبرهم فقال : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ) أي ما تقدمونه بين أيديكم لآخرتكم من أجل نفوسكم أن يعود عليها من خير مما شرعناه