(وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١١١)
فأكذبهم في التحجير بما ذكره الله تعالى في أول سورة البقرة في قوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) البراهين لا تخطئ في نفس الأمر ، وإن أخطأ المبرهن عليه ، فذلك راجع إليه ، وأما البرهان ، فقوي السلطان.
____________________________________
لكم من الأعمال المقربة إلينا (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) كما ورد في الصحيح [إن الصدقة تقع بيد الرحمن فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله] وقوله : [إن فلانا استطعمك ـ الحديث] وفيه [فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي] وقوله : (فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) إذا كان بالياء المنقوطة من أسفل فهو وعيد لهم ، أي اشتغلوا بما كلفتم عنهم وعن عقوبتهم ، فإن الله بما يعملون بصير ، والعامل في الباء بصير ، وبصير هنا عالم بأعمالهم ، أي بقصدهم فيها ، هل يسعدهم ذلك أو يشقيهم ، إذ ليس للرؤية بمعنى البصر فائدة ، ومن قرأ بالتاء فهو للمؤمنين خطاب من الله على ذلك الحد من علمه بالقصد في العمل ، ثم أخبر عنهم فقال : (١١٢) (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) جمع بالضمير بين القولين لاتحاد المقول ، وهو دخول الجنة ، إذ كل واحد من الطائفتين يضلل الأخرى كما سيأتي في قولهم : (لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ) عن اليهود ، ومثل ذلك من النصارى ، فكأنه قال : وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان هودا ، جمع هايد ، كعوذ جمع عائذ ، وحول جمع حائل ، ويقال للمذكر والمؤنث بلفظ واحد ، وقد يكون هودا مصدر يؤدي عن الجمع ، كما يقال رجل صوم ، وزور ، وفطر ، للواحد والاثنين والجمع ، وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا ، فقال تعالى : (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) أي لم يكن الإخبار عما يجدونه في كتبهم ، وإنما هو شيء يتمنونه ، يعلم الله ذلك منهم ، فتلك إشارة إلى القولة إنها من أمانيهم المتقدمة ، كقوله : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) و (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) و (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ) فتلك الأماني ، وأما احتجاجنا على التمني بقوله : (ما يَوَدُّ) وهو نفي التمني فلما يتضمنه من تمني النقيض ، ثم قال الله لمحمد صلىاللهعليهوسلم (قُلْ) يا محمد لهم (هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فإن الذي جاؤوا به هو خبر محتاج إلى دليل على صدقه ، وليس لهم حجة ، لأنه خبر عن تمنيهم ، وليس في اللفظ ما يدل على التمني ، وإنما عرفنا ذلك من كون الله