عاق لها ، كيف لعنها وصرح باسمها ، والدنيا من حنوها على أبنائها لم تقدر أن تلعن ولدها ، فقالت : لعن الله أعصانا لربه ، وما قدرت أن تسميه باسمه ، فهذا من حنو الأم وشفقتها على ولدها ، فيا عجبا فينا لم نقف عند ما أمرنا الله به من طاعته ، ولا وفقنا ولا وفينا ما رأيناه من أخلاق هذه الأم وحنوها علينا ومحبتها ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : نعمت الدنيا مطية ، عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر ، فوصفها بأن حذرها على أبنائها تذكرهم بالشرور وتهرب بهم منها ، وتزين لهم الخير وتشوقهم إليه ، فهي تسافر بهم وتحملهم من موطن الشر إلى موطن الخير وذلك لشدة مراقبتها إلى ما أنزل الله فيها من الأوامر الإلهية المسماة شرائع ، فتحب أن يقوم بها أبناؤها ليسعدوا. فهذا صلىاللهعليهوسلم قد وصفها بأحسن الصفات وجعلها محلا للخيرات ، والناس نسبوا ما كانوا عليه من أحوال الشرور التي عيّنها الشارع إلى الدنيا ، وهي أحوالهم ما هي أحوال الدنيا ، لأن الشر هو فعل المكلف ما هو الدنيا ، ونسبوا ما كانوا عليه من أحوال الخير ومرضات الله التي عينها الشارع للآخرة ، وهي أحوالهم ما هي أحوال الآخرة ، لأن الخير هو فعل المكلف ما هو الآخرة ، فللدنيا أجر المصيبة في أولادها من أولادها ، فمن عرف الدنيا بهذه المثابة فقد عرفها ، ومن لم يعرفها بهذه المثابة وجهلها مع كونه فيها مشاهدا لأحوالها شرعا وعقلا فهو بالآخرة أجهل ، فراقبوا الله هنا عباد الله ، مراقبة الدنيا أبناءها ، فهي الأم الرقوب ، وكونوا على أخلاق أمكم تسعدوا.
____________________________________
المسجد الحرام ومن المساجد ومنع المشرك من سائر المساجد أولى ، لقوله تعالى : (أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) إلا أن يقترن بذلك أمر أو حالة فلا بأس ، فوصف الله بالظلم الشديد من منع المسجد ممن أراد أن يذكر الله فيه بصلاة وغيرها ، ولم يخص أهل دين من أهل دين إذا كان قصد الداخل إليها ذكر الله فيها ، فهذا قوله : (أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، وقوله : (وَسَعى فِي خَرابِها) وجهان : الوجه الواحد هدمها وإزالة رسمها ، حتى لا يبقى لها حد يعرف من غيرها من المواضع ، وقد لعن الله من غير منار الأرض لما يؤدي ذلك إليه من إبطال الوقوف وأكل الأموال بالباطل ، فإن خرب سلطان أو أحد مسجدا لما في بقائه من الضرر لمنازلة عدو ومحاصرة بلد ، أو لمنفعة لاتساع خندق أو موضع قتال ، ففيه نظر ، وهل يبني المخرب له عوضا منه في موضع آخر ويرد الوقف الذي كان له إلى ما بناه بدلا منه؟ أو لمن يرجع الوقف هل لصاحبه أو لبيت المال أو لما يبنى بدله؟ والوجه الآخر منع الذكر فيها سعي في خرابها ، إذ كان بناؤها لإقامة ذكر الله ، وأما