وفيها السرور والحزن ، وفيها السر والعلن ، وما في الآخرة أمر إلا وفيها منه مثل ، وهي الأمينة الطائعة لله ، أودعها الله أمانات لعباده لتؤديها إليهم وهي ترقب أحوال أبنائها ما يفعلون بتلك الأمانات التي أدتها إليهم ، هل يعاملونها بما تستحق كل أمانة لما وضعت له ، فمنها أمانة توافق غرض نفوس الأبناء ، فترقبهم هل يشكرون الله على ما أولاهم من ذلك على يديها ، ومنها أمانات لا توافق أغراضهم ، فترقب أحوالهم هل يقبلونها بالرضى والتسليم لكونها هدية من الله ، فيقولون في الأولى : الحمد لله المنعم المفضل ، ويقولون فيما لا يوافق الغرض : الحمد لله على كل حال ، فيكونون من الحامدين في السراء والضراء ، فتعطيهم الدنيا هذه الأمانات نقية طاهرة من الشوب ، فبعض أمزجة الأبناء الذين هم كالبقعة للماء والأوعية لما يجعل فيها ، فيؤثر مزاج تلك البقعة في الماء والماء كله طيب عذب في أصله ، قال قتادة : ما أنصف الدنيا أحد ، ذمت بإساءة المسيء فيها ، ولم تحمد بإحسان المحسن فيها ، فلو كانت بذاتها تعطي القبح والسوء ما تمكن أن يكون فيها نبي مرسل ولا عبد صالح ، كيف والله قد وصفها بالطاعة فقال : إن علوها وسفلها قالا : أتينا طائعين ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إذا قال أحدكم : لعن الله الدنيا قالت الدنيا : لعن الله أعصانا لربه ، فهذا ابن
____________________________________
هذه الآية في سبب خاص ولكن الحكم عام ، فقال : (وَمَنْ) فأتى بصيغة النكرة ، يقول : ومن أشد ظلما من شخص منع من أراد (أَنْ) يذكر الله في المساجد ، وهي البيوت التي جعلها معبدا تؤدى فيها فرائضه و (يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) وأمر برفعها عما يجوز من العمل في البيوت ، فقال : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ) أي يصلي (له) لله (فِيهَا) في المساجد ، فهل ترفع عن دخول الكفار فيها؟ هي مسألة خلاف فيما يحرم من ذلك ، وأما تنزيهها عن ذلك على جهة الندب فلا خلاف فيه ، فمن خرج (أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) ، أي أمر وحمله على الوجوب ، منع من دخول الكفار جميع المساجد ، المشركين وغيرهم ، وأما المسجد الحرام الذي بمكة فقد ورد النص بأن لا يقربه مشرك وأنه نجس ، فمن علل المنع بالنجاسة وجعل النجاسة لكفره وعلل المسجد لكونه مسجدا منع الكفار كيفما كانوا من جميع المساجد ، ومن رأى أن ذلك خاص بالمسجد الحرام ولهذا خص بالذكر وأن ما عدا المشرك وإن كان كافرا لا يتنزل منزلته ، منع دخول المشرك المسجد الحرام وكل مسجد ، لقوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ) وجوز الدخول فيه لمن ليس بمشرك ، ومن أخذ بالظاهر ولم يعلل منع المشرك خاصة من المسجد الحرام خاصة ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم حبس في المسجد في المدينة ثمامة بن أثال حين أسر وهو مشرك ، وهو الأوجه ، ومنع (١) غير المشرك من
__________________
(١) هكذا في الأصل والصواب ولم يمنع.