آية محكمة غير منسوخة ، ولكن انعقد الإجماع على هذا وعلى قوله تعالى (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) محكما في الحائر الذي جهل القبلة ، فيصلي حيث يغلب على ظنه باجتهاد بلا خلاف ، ولا خلاف أن الإنسان إذا عاين البيت أن الفرض عليه هو استقبال عينه ، وأما إذا لم ير البيت فعندنا أن استقبال الجهة هو الفرض لا العين ، فإن في ذلك حرجا ، ومعلوم أن الصف الطويل قد صحت صلاتهم مع القطع بأن الكل منهم ما استقبلوا العين ، وإصابة الجهة في غير الغيم المتراكم ليلا أو نهارا في البراري لا يقع إلا بحكم الاتفاق ، فأحرى إصابة العين ، فلا إعادة على من صلى ولم يصب الجهة إذا تبين له ذلك بعد ما صلى ، واعلم أنه قد جاء ذكر وجه الحق في آيات كثيرة ، فإذا أردت أن تعلم حقيقته ومظهره من الصورة التي يتجلى فيها الحق ، فاعلم أن حقيقته من غمام الشريعة ، بإرث نور التوحيد ، ومظهره من العمل وجه الإخلاص (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) الآية ويدل على أن وجهه تعالى الإخلاص مظهر قوله تعالى : (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) وقوله تعالى : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) وقوله تعالى : (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) والمراد في ذلك كله الثناء بالإخلاص على أهله تعبيرا بإرادة الوجه عن إخلاص النية ، وتنبيها على أن مظهر وجهه سبحانه يدل على أن حقيقة الوجه هو بارق نور التوحيد لقوله تعالى : (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) أي إلا نور توحيده ، وهو نور السموات والأرض بدليل قوله صلىاللهعليهوسلم : «أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة» وبهذا يفهم سر قوله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) ولوجه ربنا سبحانه رداء ، وله حجب وله سبحات ، فأما رداؤه سبحانه فقد نبه عليه قوله صلىاللهعليهوسلم : «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن» فالرداء هنا والله أعلم هو ما يحجب القلب عن رؤية الرب
____________________________________
فيمن جهل القبلة ، فاجتهد وصلى على أنه مواجهة القبلة ثم تبين له بعد ذلك أنه لم يستقبلها ، أن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه ، وفي المصلي على الراحلة ، وفي السفينة حيث توجهت به راحلته ، وما من جهة إلا وقد كانت قبلة في أمة من الأمم ، وفي هذه الآية دليل على أن الله لا يختص بجهة ، وأن نسبة الجهات إليه نسبة واحدة ، ولهذا جاء بالاسم الواسع والعليم ، لاتساعه في حكم جميع