سبحانه ، وهو أن يكون في قلبك كبرياء لغيره ، فأهل الجنة ليس لهم مانع من نعيم الرؤية ، وشهود نور التوحيد إلا رداء الكبرياء ، فمن كبر في قلبه غير الله تعالى من غرف أو تحف أو حور أو مأكول أو مشروب أو شيء سواه حجب عن الله تعالى. ومن عرف الله صغر عنده كل شيء فارتفع عن بصره رداء الكبرياء لكل شيء فشهد الله في كل شيء ، وبهذا يظهر لك سر افتتاح الصلاة بالتكبير ، لأن الصلاة حضرة التجلي والمناجاة والمراقبة لأنوار سبحات وجهه سبحانه ، وأما حجبه فقد ثبت في الصحيح «حجابه النور» وفي رواية «حجابه النار» وليس بين الروايتين تناف ، ولك في تأويله سبيلان : أحدهما أن وجهه سبحانه هو الباقي ذو الجلال والإكرام ، فله تجل بجلاله في حجاب النار ، كما تجلى سبحانه لموسى صلىاللهعليهوسلم حين آنس من جانب الطور نارا ، وله تجل بإكرامه في حجاب النور ، كما تجلى تعالى لمحمد صلىاللهعليهوسلم ليلة الإسراء في قوله صلىاللهعليهوسلم : «رأيت نورا» وهذان الحجابان لأهل الخصوص ، والتأويل الثاني ، وهو لأرباب العموم ، يؤخذ مما قررناه أنه لا فاعل في الكون غيره ، ولا هادي ولا مضل سواه ، يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، فوجه توحيده هو الذي ينعم ويهدي بإقباله ، ويعذب ويضل بإعراضه ، وله في هدايته النور وهويته المتجلية للقلوب بواسطة شرائع رسله قال تعالى : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) وحجابه في إضلاله النار وهو الاكتساب المغشي للقلوب من وساوس الشيطان المخلوق من النار (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) قد بيّن بذلك أن وجه توحيده ، هو الهادي بإقباله ، في حجاب نور الاتباع للرسل (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى) وأنه هو المضل بإعراضه في حجاب الاتباع لوسواس الشيطان ، فإنه لا تنافي بين قوله حجابه النور وبين قوله حجابه النار ، وبذلك يفهم سر قوله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا إلى قوله واجعلني نورا» أي اجعلني من جميع الوجوه نورا دالا ، وحجابا يتنعم برؤيتي من أراد التنعم بحسن النظر إليك ، وقد جاء في
____________________________________
النسب إليه ، عليم بكم أينما توليتم أن قصدكم التوجه إليه سبحانه على طريق القربة ، وفي قوله : (الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) وأين ما تولوا ، تنبيه أن كل من سجد إلى جهة معينة ليس مقصده الجهة