الصحيح «إن لله سبعين حجابا من نور» وذلك لا تنافي بينه وبين قوله : «حجابه النور» لأنه جنس يصلح لشمول الأفراد وإن تعددت ، والحق أن حجب أنواره تعالى لا حصر لها ، لأنه ما من شيء إلا وهو حجاب من وجه ربنا ، وآية من آيات وحدانيته «وفي كل شيء له آية ، تدل على أنه واحد» وبذلك يعرف أن عدد السبعين ليس للحصر ، قال الأزهري وغيره من علماء اللغة : العرب تضع السبع موضع التضعيف وإن جاوز السبع ، وأصل اعتبار هذا العدد في تضعيف حجبه أن لله تعالى صفات ذاتية وهي العلم والحياة والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام ، فهذه سبع صفات ذاتية يتجلى سبحانه في حجب أنوارها بوجه توحيده فكانت هي مبدأ التضعيف في حجب أنواره تعالى ، ثم إن آيات صفاته تعالى في تجلياتها تتضاعف برتبة العشرة ، ورتبة المئة ، ورتبة الألف ، وأما سبحات وجهه سبحانه فقد ثبت في الصحيح «لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» وقد أولها العلماء رضي الله عنهم بجلاله تعالى وهو تأويل صحيح ، لكن وجه ربنا ذي الجلال والإكرام له بجلاله سبحات ، وله بإكرامه سبحات ، وإذا أردت أن تجري في التأويل على وفق الاستعمال اللغوي والقواعد التي مهدناها ، فاعلم أن السبحات جمع سبحة ، والسبحة في اللغة : ما يتطوع به من ذكر وصلاة وتسبيح ونحوها مما لا يحصر أفراده ، وقد ثبت أن أنوار الطاعات حجب وجهه سبحانه ، ونور الذكر شامل لجميعها ومهيمن على سائر سبحات الإكرام والجلال ، وقد قال تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) فذكر الله تعالى لنفسه ولعبده سبحة وجهه شاملة لأنواع سبحاته ، وذكر العبد له نور حجابه ، فما دام العبد يشهد ذكره لربه ، فوجه ربه متجل عليه في حجابه بسبحة ذكره ، كما ثبت في الصحيح «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني» ولا يزال العبد يذكر الله ، وذكره له يبعده عن شهود نفسه ونسبتها ، ويقربه من شهود توحيد ربه ، حتى ينكشف حجاب ذكره لله ، وتتجلى له سبحة ذكر الله له ، هناك تحرق سبحته نسبة الأفعال والأذكار للعبد ، وتظهر نسبتها للرب ، كما ثبت في الصحيح : «ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي
____________________________________
من حيث عينها ، وإنما قصده وجه الله بتلك العبادة ، والإنسان لا ينفك عن الجهات لنفسه ، فلا بد أن يكون مستقبلا جهة من الجهات ، فدخل في «أين ما تولوا» ما عدا المشرق والمغرب من