من الرمية ، لا ترى فيه أثرا من دم الرمية ، فإنه ما كل تال يحس بنزول القرآن لشغل روحه بطبيعته ، فينزل عليه من خلف حجاب الطبع فلا يؤثر فيه التذاذا ، فهذا قرآن منزل على الألسنة لا على الأفئدة ، وقال في الذوق : «نزل به الروح الأمين على قلبك» فذلك هو الذي يجد لنزوله عليه حلاوة لا يقدر قدرها تفوق كل لذة ، فإذا وجدها فذلك الذي نزل عليه القرآن الجديد الذي لا يبلى ، والفارق بين النزولين أن الذي ينزل القرآن على قلبه ينزل بالفهم فيعرف ما يقرأ ، وإن كانت تلك الألفاظ لا يعرف معانيها في غير القرآن لأنها ليست بلغته ، ويعرفها تلاوة إذا كان ممن ينزل القرآن على قلبه عند التلاوة ، فمن قرأ القرآن منزلا عليه يجد لذة الإنزال ذوقا على قلبه عند قراءته ، فإن للقرآن عند قراءة كل قارئ أي قارئ كان إنزالا ، غير أن الوارث المحمدي بالحال يحس بالإنزال ، ويلتذ به التذاذا خاصا لا يجده إلا أمثاله ، فذلك صاحب ميراث الحال وما عدا هؤلاء فإنما يقرؤون القرآن من خيالهم ، فهم يتخيلون صور حروفه المرقومة إن كان حفظ القرآن من المصاحف والألواح ، أو يتخيلون صور حروف ما تلقنوه من معلمهم ، هذا إذا كانوا عاملين به ، وإما إذا قرؤوه من غير إخلاص فيه فلا يتجاوز حناجرهم ، أي لا يقبل الله منه شيئا ، فيبقى في محل تلاوته وهو مخرج الصوت ، فلا يقرأ القرآن من قلبه إلا صاحب التنزل ، وهو الذوق الميراثي ، فمن وجد ذلك فهو صاحبه يعرف ذلك عند وجوده إياه فلا يحتاج فيه إلى معرف ، فإنه يفرق عند ذلك بين قراءته من خياله وبين قراءته عن تنزيل ربه مشاهدة ، فليس التالي إلا من تلاه عن قلبه الذي له في كل تلاوة فهم في الآية ، لم يكن له ذلك الفهم في التلاوة التي قبلها ، ولا يكون في التلاوة التي بعدها ، وهو الذي أجاب الله في دعائه في قوله : (رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) فمن استوى فهمه في التلاوتين فهو مغبون ، ومن كان له في كل تلاوة فهم
____________________________________
(إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً) يقول له تسلية لما يجده في قلبه من ردهم أمر الله في وجهه : يا محمد ما عليك إلا البلاغ ، وما أنت عليهم بجبار ، أي ما أرسلناك لتجبرهم على الإيمان ، وإنما وظيفتك أن تبلغ عنا ما نزل إليهم ، وأمرهم إلينا (بَشِيراً) أي مبشرا للطائفتين المطيع والمخالف ، قال تعالى : (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) وقال في أولئك : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) وسنبين ذلك في موضعه وقوله : «ونذيرا» أي معلما لهم بما أنزلت عليهم ، وقد تستعمل في الأكثر : البشارة في الخير والإنذار في الشر ، وكلا التأويلين صالح هنا ، والباء من